[خبيئة نفسي]
للأديب سيد قطب
خبيئةَ نفسي، قد غفا الكونُ فأسفُرِي ... وكوني سميري، بعد إذ نامَ سُمَّرِي
سها الدهرُ والأقدارُ رنَّقَها الكرى ... وهوَّم في جوفِ الدُجَى روحُ خيرِِّ
يُطيف على العانين بالعطفِ والرضا ... ويغمرُ بالإغفاءِ رأسَ المفكرِ
وينتظم الدنيا هدوءاً كأنها ... عوالمُ في وادي المنى لم تُصوَّرِ
فلا صوتَ إلا خفقةٌ من جوانحٍ ... كما خفقتْ للضوءِ عينُ المصوِّر
ولمَ يبقَ من هذي الحياةِ وأهلهِا ... سوى طيفِها السَّاري بوادي التذكرِ
خبيئة نفسي من عهود سحيقةٍ ... ومن جوف آباد مضت قبل مولدي!
أمسّكِ في أغوار نفسي ولا أرى ... محيَّاكِ إلا كالخيال المشرد
علمتُكِ حتى أنتِ مِنّيَ بُضْعةُ ... جهلتك حتى أنت في غير مشهدِ!
ويا لطالما أخلفتِ لي كلَّ موعدٍ ... ويا لطالما ألقاكِ في غير موعدِ!
عجبتُ فكمْ مِنْ نفرةٍ تنفرينِها ... على فرطِ ما تبديه من توددِ!
حديثُكِ من نفسي قريبٌ وإنما ... إخالُكِ في وادٍ من التِّيهِ سرمدِ
خبيئةَ نفسي، ما ترى أنت؟ إنني ... أريدك في جوٍّ من الضوءِ مَعلَمِ
أعنصرُكِ الأيمانِ والطهرُ أصلُه ... وإلا إلى الكفرانِ والرجسِ مُنْتَمِ
وفي أيِّ وادٍ أنت تسرينَ خلسةً ... ومن أي عهدٍ في الجهالات منهمِ
وكم فيكِ من نصرٍوكم من هزيمةٍ ... تجاورتا في حشدكِ المتزَحِّمِ
وكم فيكِ من يأسٍ وكم فيكِ مأمل ... وكم مِنْ تردٍّ أو وثوبِ تقحُّمِ
وكم فيك من حبٍّ وكم فيكِ بغضةٌ ... ومن رشدِ إلهامٍ إلى خبطِ مظلمِ
خبيئةَ نفسي في ثناياكِ معرضٌ ... لما لقيتهُ الأرضُ في الجولانِ
وفيك من الآباد سرٌّ وروعةٌ ... وفيكِ صراعات بكل زمانِ
وفيك التقى الإنسان من عهد خلقِهِ ... وفيكِ التقى الروحيُّ والحيواني
وإنكِ طلُّسْمُ الحياة جميعها ... وصورتها الصغرى بكل مكان
أبيني إذن عن ذلك العالم الذي ... تضمَّنتِهِ من صورةٍ ومعانِ