للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[المرأة كما يراها شوبنهور]

للأستاذ زكي نجيب محمود

إن المرأة بحكم تكوينها لا تستطيع أن تضطلع بجليل الأعمال - الجسمي منها والعقلي على السواء، وإن رسالتها في الحياة لتنحصر في الانسال وتعهد الأطفال، مع وجوب طاعتها للرجل وخضوعها له؛ فقد شاءت لها الطبيعة أن تسلك في حياتها سبيلا هادئاً مطمئناً وادعاً، لا تصادف فيه ما يصادف الرجل في حياته من التطرف في اللذة والألم كليهما - وإذا كانت الحياة قد ركنت إلى المرأة في أداء هذه الرسالة الكبرى، وأرادت بها أن تكون أداة لتربية النشء في مدرج الطفولة الباكرة، فقد أعدتها إعدادا عقلياً يلائم الغرض من وجودها، فجاءت ضعيفة العقل قصيرة النظر، حتى لكأنها طفل كبير، لكي يتم بينها وبين أطفالها شيء من التناسق والانسجام، أو إن شئت فقل إنها مرحلة عقلية متوسطة بين الطفولة والرجولة، فالرجل هو الكائن البشري الحق الذي قصدت إليهالحياة

عرفت الطبيعة في المرأة ضعفها فوهبتها الجمال تغزو به أفئدة الرجال لينهض هؤلاء بعبئها عن رضى وطواعية، ولكن الطبيعة في عطائها كانت كعهدنا بها مقترة مغلولة اليد، فلم تهب المرأة من الجمال إلا بمقدار ما تستطيع أن تتخذ منه أداة لحفز الرجل على التناسل ليستمر البقاء، حتى إذا ما انقضت مهمتها في ذلك عادت الحياة فسلبتها ما كانت وهبتها من فتنة وجمال، وتركتها ذابلة ذاوية تنعى شبابها المفقود. . . وإن الفتاة مهما اشتعلت حماسة لحريتها، واصطنعت لنفسها مهن الرجال، لَتَشعرُ في أعماق نفسها أنها ما خلقت إلا للمعركة الجنسية، تتوسل لها بالحب وما يتصل به من تزين ودلال

ومما يلاحظ أنه كلما ارتفع الكائن الحي في سلم الكمال كان أبطأ وصولا إلى مرتبة النضوج، فبينما المرأة تكتمل نضوجها العقلي في سن الثامنة عشر، ترى الرجل لا يكاد يبلغ نهاية هذا النضوج إلا بعد الثامنة والعشرين، على أن المرأة لا تدرك من القوة العقلية إلا حدا ضئيلا لا يمكنها من أن تنفذ إلى حقائق الأشياء، ولذا يسهل انخداعها بالظواهر الباطلة، كما أنها كثيرا ما تتعلق بتوافه الأمور دون الهام منها والخطير؛ كذلك تتميز المرأة بأنها تعيش في حاضرها فقط، نظرا لعجزها عن أن تنفذ بفكرها إلى الماضي أو المستقبل، فبالقوة العقلية وحدها يستطيع الرجل أن يحطم حدود الزمن التي تقيد المرأة كما تقيد

<<  <  ج:
ص:  >  >>