الحيوان الأعجم، فيرسل بصره إلى الأفق النائي البعيد، ويضم في نفسه أطراف الزمان من الأزل إلى الأبد؛ ولعل هذه الخاصة هي التي يتميز بها الرجل دون المرأة، وأعني بها النظر الشامل العميق، هي العلة فيما يلاحظ عليه من هم وانقباض كثيرا ما يغلبان عليه حتى ينسياه ما قد يحيط به من عوامل الهناءة والسرور. أما المرأة فهي تنعم بضعفها العقلي لأنها تلهو بلذائذ يومها غير حافلة بما يأتي به الغد من ويلات وكوارث. فهي في ذلك كالحيوان الأجهر (ضعيف البصر) الذي يرى ما هو قريب منه في وضوح وجلاء، ولكن بصره لا يمتد إلى أبعد من أنفه؛ أي أنها قد تستطيع أن ترى الحوادث الحاضرة أدق مما يراها الرجل، ولكنها عاجزة كل العجز عن اجتياز حاضرها إلى ماضيها ومستقبلها، وربما كان هذا النظر الضيق المحدود هو الذي دفع المرأة إلى ما تتصف به عادة من إسراف قد يصل إلى حد الحماقة والجنون؛ فهي تريد أن تنعم (الآن) وليأت بعد ذلك الطوفان! ولكن اشتغال المرأة بحاضرها واستمتاعها بلذائذ يومها لا يخلو من حكمة بالغة، لأن ذلك يكسبها مرحاً وابتهاجاً بالحياة يمكنانها من القيام بواجبها الخطير نحو الرجل، وهو الترويح عن نفسه مما يعانيه من شقاء وعناء، فما أكثر ما تكون المرأة جنة فيحاء تزيل بسحرها عن كاهل الرجل المتعب المضني عبء الهم الثقيل
ولكن لا ينبغي أن يتيه الرجل بما أوتي من العقل فلا يصغي لرأيها ولا يحفل بما تقول، بل خير له إذا ما حزب الأمر واشتد الخطر أن يستشيرها الرأي ويستهديها السبيل، وذلك لأن طريقة المرأة في فهم الأشياء تخالف طريقة الرجل كل المخالفة، فهي تحب بطبعها أن تسلك أقصر الطرق التي تؤدي إلى الغاية المقصودة، هذا فضلاً عن مقدرتها على رؤية القريب بسبب ضعف قواها العقلية الذي أشرنا إليه، فهي بذلك قد تلفت نظر الرجل إلى ما يغفل عن إدراكه لقربه منه، إذ هو كما قدمنا مفطور بطبعه على النظر البعيد؛ أضف إلى ذلك أن المرأة ألصق بالحقائق الواقعة فترى الحوادث كما هي لا تضيف إليها ولا تنقص منها، أما الرجل فإذا ما اضطرمت عواطفه، انطلق خياله يهول في الأمر ويزيد عليه فتضيع الحقيقة في ثنايا الأوهام ويستحيل عليه التفكير السليم
وقد كان هذا الضعف العقلي الذي تتميز به المرأة قيداً حصرها في دائرة الحقائق والوقائع المحسوسة دون أن تكلف نفسها مؤونة التفكير المطلق المجرد، فنتج عن هذا شدة عطفها