على البائسين وحدبها على الأشقياء، لأنها لا تدري من حقائق الكون إلا هذه الحقائق الجزئية التي تراها وتلمسها؛ وليس في مقدورها أن تنظر إلى العالم كله وحدةً متصلة وحقيقة واحدة ينمحي في خضمه المتلاطم كل ما فيه من بؤس الأفراد وشقائهم، ولكن إن كان هذا النظر الواقعي المحدود قد أكسب المرأة عطفها الجميل، فقد جنح بها كذلك إلى ألأم الطباع وأخسها، فهي أبعد ما يكون الإنسان عن العدل والشرف ويقظة الضمير وما إليها من الصفات الخلقية التي لا تستساغ إلا بالنظر المجرد العميق، وقد ألجأها ما أحسته في نفسها من ضعف إلى أساليب المكر والحيل والخداع، فهيهات أن تجد بين النساء امرأة واحدة قد خلص طبعها من الخيانة والغدر والكذب؛ فبهذه هي عدتها التي وهبتها إياها الطبيعة لتدافع بها عن كيانها ووجودها كما امتدت الضواري بالمخالب والأنياب، فليس عند المرأة من عتاد تدرأ به عن نفسها ما يتهددها من خطر إلا المكر والخداع، لا فرق في ذلك بين امرأة وامرأة، وهي تلجأ إلى هذا السلاح الفكري في كل ظرف دون أن تشعر أنها ترتكب بذلك ما يناقض فضيلة أو شرفاً، بل إنها على نقيض ذلك تعتقد أنها إنما تستخدم قوة طبيعة فيها لها كل الحق في استخدامها كما يستعين الأسد بمخالبه ساعة الخطر؛ ولما كان الخداع مفطوراً في دماء النساء كُنَّ أقدر من الرجل على إدراك خداع الناس. ولذلك كان من الغفلة والبلاهة أن يحاول الرجل خداع المرأة لأنها في هذا الميدان فارسة لا يشق لها غبار. ولقد نشأ من هذا الجانب في النساء ميل غريزي إلى العقوق والخيانة ونكران الجميل؛ وما أهون على المرأة أن تحنث في يمينها، وما أيسر عليها أن تمد يدها إلى السرقة حتى ولو لم تكن في حاجة إلى ما تسرقه
لقد اتخذت الحياة من المرأة وسيلة للتعبير عن إرادتها في البقاء، وإن المرأة لتعلم في أعماقها أنها خلقت لحياة النوع قبل أن تخلق لشخصها، ولذا تراها تسعي جهدها لأداء واجبها الأول نحو النوع وإن تعارض ذلك مع واجبها نحو الرجل الذي يتعهدها ويرعاها، فهي تأبى مثلا إلا أن تلد وترضع وتربي مهما كلفها ذلك من عناء؛ وهنا تختلف المرأة عن الرجل اختلافا جوهريا، فبينما هي تتوفر لخدمة النوع وبقائه، ترى الرجل لا ينصرف بمجهوده إلا لبقاء شخصه؛ أعني أن المرأة خلقت وسيلة لبقاء النوع، أما الرجل فهو غاية في حد ذاته - ومن هذا الفارق بين الجنسين تفرع وجه اختلاف آخر بينهما: فالرجال لا