تعتبر العلاقة بين العمال وأصحاب الأعمال من أهم المشاكل الاجتماعية التي تشتغل تفكير الحكومات والهيئات، وعلى الرغم من الجهود الطويلة التي بذلت في الخمسين سنة الماضية لتذليل هذه المشكلة بما يحسم الخلاف الذي ينشب بين الجانبين على وضع عادل سليم يضمن للعامل راحة الجهد ووفرة الأجر، ويضمن لصاحب العمل تقدم الإنتاج وحسن الربح، وعلى الرغم من تأليف النقابات والهيئات ووضع اللوائح والتشريعات لتنظيم العلاقة بين العمال وأصحاب الأعمال فإن المشكلة لا تزال قائمة، وكلما نشب خلاف بين الطرفين انتشر الأمر، وتشبث كل بوجهته ووقعت الحكومة في حيرة لأنها لا تجد مجالا لاستخدام نفوذها في هذه الحال إلا بمنع ما قد يقع من تخريب.
وبينا كنا نقلب الصفحات، وقفنا على فتوى جليلة للمغفور له الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده في شأن ما يكون من الخلاف بين العمال وأصحاب الأعمال، وكان المرحوم الأستاذ فرح أنطون صاحب مجلة الجامعة قد كتب إلى الأستاذ الإمام يستفتيه في هذا الموضوع فكتب إليه بتلك الفتوى، فنشرها الأستاذ أنطون في مجلته ومهد لها بمقدمة طويلة قال فيها:
(كنا نطالع ما كتب بشأن العمال وأصحاب الأعمال في البلاد الإسلامية فعثرنا في أثناء المطالعة على مقال هام لكاتب فرنسي موضوعه (العمل والعمال في الجزائر). ومما أدهشنا في هذا المقال قول كاتبه: أن عقدة العقد التي يتخاصم الآن حولها أهل العمل وأهل المال في العالم كله، والتي هي مشكلة المسائل الاجتماعية في هذا العصر قد حلتها الشريعة الإسلامية. فإنها أوجبت التحكيم بين العامل وصاحب العمل متى قام نزاع بينهما، فوقفنا عند القول الخطير، إذا كان قائله لم يلق الكلام على عواهنه فالشريعة الإسلامية يحق لها أن تفخر بأنها تقدمت في مبدأ العمل الشريعة المدنية الحديثة، ولم نستبعد هذا الأمر لأن