مبادئ الأديان القديمة قائمة على عدم احترام حق الملك احتراماً مهماً، وعلى التعاون والمساواة بين أفرادها، خلافاً لمبادئ المدنية الجديدة القائمة على بقاء الأفضل وتنازع البقاء، أي قيام القوي وسقوط الضعيف، وهو معنى حماية حرية الأفراد وملكهم شخصياً وتجارياً وصناعياً، وقد أخذنا نبحث عن هذه المسألة في الكتب التي لدينا ولما لم يرتو لنا منها غليل لم يبق أمامنا سوى استفتاء حملة الشرع الإسلامي فيها، فاغتنمنا هذه الفرصة لنجدد عواطف الاحترام لفضيلة العلامة الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده مفتي الديار المصرية وحجة الشرق على الغرب في هذا العصر ونغترف من بحر علمه بالشريعة الغراء فضلا عن رغبتنا في الوقوف على رأي الشرع في هذه المسألة، فكتبنا إلى فضيلة الأستاذ نستفتيه فيها فتفضل علينا فضيلته بالكتاب التالي:
(تلوت كتابكم بعد رجوعي من السفر ولا يخفى على حضرتكم أن التحكيم كما يفهم من لفظه يلزم أن يكون باتفاق الخصمين اللذين يريدان أن يقضى النزاع بينهما بالتحكيم فهو اختياري بطبيعته، ولا يكون إلا فيما هو من حقوق العباد التي يقع التنازع فيها بينهم ولا يجبر أحد خصمين على أن يتحاكم إلى من يفصل بينه وبين خصمه إلا إذا كان الترافع إلى محكمة من تلك المحاكم التي تقررها القوانين العامة أو الخاصة. والعامل متى علة الأجرة وزمن العلم فهو حر أن شاء قبل أن يعمل على شرط مقدار الأجرة ومدة العمل وأن شاء لم يقبل. فهذه هي القواعد العامة المتعلقة بأجرة العمال وتقيد أزمان عملهم ولا وجه لاختلاف العامل ورب المال قبل الدخول في العمل، والمقصود أن يكون الاختلاف في الوفاء بالشرط وعدم الوفاء به والذي يفصل فيه عند ذلك المحاكم أو المحكمون إذا اختار المتنازعان طريقة التحكيم. أما الحالة القائمة الآن في أوربا فمنشؤها أمران: أحدهما اضطرار العامل للعمل لأنه لا وسيلة له إلى المعيشة سواه. وثانيهما مبالغة رب المال في طلب الربح لأن توفير المال أصبح من أهم ما يسعى إليه طلابه في تلك البلاد. فالأول يرغب أن يزاد له الأجر وأن ينقص من زمن العمل، والثاني يبتغي تقدير الأجر والزمن كما يريد، والأول لا يجد من أرباب المال من يجيبه إلى طلبه، والآخر لا يجد من العمال من يرضى بتقديره. فإذا اتفق العمال على ما يلجئون به أرباب الأموال إلى موافاة رغبتهم حدث ما يسمى بالاعتصاب فيتفق العمال على تعطيل الأعمال حتى يلجئوا أرباب الأموال إلى إجابة