مطالبهم، ولرب المال أن يصير حتى يلدغ الجوع عماله فيرضوا بما يريد، وللعمال أن يصبروا حتى يضطر الخسران رب المال إلى إجابتهم فيما يطلبون، ولكل منهم أن يتفق مع الآخر في تحكيم محكمين يذعن الفريقان لحكمهم بعد استيفاء شرائط التحكيم، ولا يلزم أحد الفريقين بأن يحكم أحداً أو لا يحكم).
إنما يوجد في أصول الأحكام الإسلامية أن القيام بالصناعات الضرورية لقوام المعيشة أو للدفاع عن حوزتها فإذا تعطلت الصناعات وجب على القائم بأمر الأمة أن يتخذ السبيل إلى إقامتها بما يرفع الضرورة والحرج عن الناس، وكذلك إذا تحكم باعة الأقوات ورفعوا أثمانها إلى حد فاحش وجب على الحاكم في كثير من المذاهب الإسلامية أن يضع حداً للأثمان التي تباع بها).
(وهكذا يدخل الحاكم في شؤون الخاصة وأعمالهم إذا خشي الضرر العام في شيء من تصرفهم. فإذا تعصب العمال في بلد وأضربوا عن الاشتغال في عمل تكون ثمرته من ضروريات المعيشة فيه، وكان ترك العمل يفضي إلى شمول الضرر كان للحاكم أن يتدخل في الأمر وينظر بما خوّل له من رعاية المصالح العامة. فإذا وجد الحق في جانب العمال وإن ما يكلفون به من قبل أرباب الأموال مما لا يستطاع عادة ألزم الأموال بالرفق سواء كان بالزيادة في الأجرة أو النقص في مدة العمل أو بهما جميعاً. وإذا رأى الحق من جانب أرباب الأموال وكان النزق من العمال قضى عليهم بالعمل كما يقضي على المغالين في ثمن الأقوات بالبيع بالثمن متى ظهر فحش عملهم وظلمهم للعامة. هذا ولا يعرف في الشرع الإسلامي أيجاب التحكيم بين العامل ورب المال إلا أن يكون شيء لم نطلع عليه).
(نعم جاء وجوب التحكيم في كثير من المذاهب الإسلامية في مسألة واحدة، وهي مسألة الشقاق بين الزوجين إذا رفع إلى القاضي. فقال الشافعية (إذا اشتد شقاق بينهما (الزوجين) بأن داما على التساب والتضارب وجب على القاضي أن يبعث حكمين، لكل منهما حكم يرضاه ويسن أن يكون الحكمان من أهل الزوجين)
وقال المالكية (ذا ظهر ظلم أحد الزوجين للآخر وجب ردع الظالم، فإذا شكل الأمر على القاضي ولم يعرف أيهما الظالم وجب عليه أن يبعث بالحكمين على نحو ما عند الشافعية) وجعل الحنفية ذلك حقاً من حقوق الحاكم يعمل به إذا اشتد النزاع بين الزوجين ورفع إليه