كذلك ارتآها العرب، وكذلك ارتآها الأقوام من قبل ومن بعد. دارت الأرض فاختلف الليل والنهار، وانتظم دورانها فثبت يومها فكان وحدة الزمن الطبيعية الأولى. ودار القمر حول الأرض فصغر في ظلمات الليالي مرآه حتى انعدم. وكبر حتى استكمل فاستدار، وعرف الناس ثباته على ذلك، وثبات ما يمضي بين انعدامة وانعدامة، أو استدارة واستدارة، فاتخذوا من ذلك وحدة زمنهم الطبيعية الثانية فأسموها شهراً. ثم طلعت الشمس عليهم من المشرق، وأخذ يُشمل مطلعها حتى بلغ الغاية في الاشمال، ثم أخذ يُجْنِب حتى بلغ الغاية في الاجناب، وأختلفت بذلك الفصول فاحترْت حتى بلغت غاية الحر، ثم ابردت حتى بلغت غاية البرد، ودام هذا الاختلاف وثبت وانتظم، فوجد الناس فيه وحدة زمنهم الطبيعية الثالثة الكبرى فأسموها العام
وكان لابد لوحدات القياس أن تتناسب، وكان لابد أن تقسم بعضها بعضا، وان تنقسم بعضها ببعض، فلما تلمسوا ذلك عند اليوم والشهر والعام، وجدوها لا تنقسم انقساماً صحيحاً، وحاولوا التأليف بينها فاستطاعوه بين اليوم والعام بالبسط والكبس، فكانت السنة البسيطة، وكانت السنة الكبيسة، واستعصى عليهم تأليف ما بين الشهر والعام، ما بين القمر والشمس، فانفردا كل بتقويم، فكان التقويم القمري، وكان التقويم الشمسي، وتنافس التقويمان، وكانت الشمس أصل الحياة فاتفق تقويمها وحوائج العيش فشاع وذاع، واستقر التقويم القمري حيث كان لابد أن يستقر، فكان لتوقيت الصوم والحج وصنوف العبادات وبالرغم من أن التقويم الشمسي يعتمد على اليوم والعام فحسب، فانه لم يستطع أن يغفل الوحدة الثانية المتوسطة التي خلقها القمر، أعني الشهر، أرغمه عليها ألفة الناس لها وحاجتهم إلى وحدة تقع من حيث طولها بين اليوم القصير والعام الطويل.
كذلك خلَّف القمر في لغات الأمم أثرا من معنى ما استُخدم فيه من قياس الزمن. فقد اسماه