وقعت في يدي خلال الأيام القريبة السابقة رسالة صغيرة عنوانها (التوبة بعد الذنب للإمام الغزالي رضي الله عنه) وفي مقدمتها كتب الناشر أنه يقدم رسائل الإمام الغزالي التي تقع في حوالي ثلاثين رسالة، وأنه قد عثر على الأصل مخطوطا في مكتبة قرطجنة بإسبانيا بعد أن تحمل في الحصول عليها مشقة كبيرة. . .
وما إن قرأت هذا الكلام حتى أخذ مني العجب مأخذا، فما كنت أعتقد أن الاستخفاف بالأمانة العلمية يحدو بإنسان كائنا من كان أن يعبث بعلم رجل كالإمام الغزالي، ويقدم للناس منه زادا غثا، وقدرا ركيكا مضطربا، مدعيا أن هذا وذاك بضاعة الإمام الحجة، ومدعيا مرة أخرى أنه عثر عليها في مخطوطات بمكتبة قرطجنة في إسبانيا. بعد أن تحمل في سبيل الحصول عليها مشقة كبرى. .
ولست أدري ما الذي يحمله على أن يتحمل مشاق السفر إلى إسبانيا، ويتكبد النفقات الباهظة وغيرها، ورسالته الأولى هذه موجودة في الجزء الرابع من كتاب إحياء علوم الدين للإمام الغزالي، وقد كان في استطاعته وهو في بيته أن ينقل منه رسالته المزعومة، دون أن يضطر الإبهام والتغرير إلى التحوير والتغيير والعبث بالمقدسات العلمية. .؟
أتخذ الناشر المصطنع عناوين لرسالته المزعومة، هي نفس العناوين الموجودة في الجزء الرابع من إحياء علوم الدين ومن كتاب التوبة وهو الأول من ربع المنجيات، مع التحوير والتبديل، فالعنوان الأول في رسالته هو (حقيقة التوبة) وفي كتاب الإحياء الطبعة العثمانية (بيان حقيقة التوبة وحدها) ص ٣، وعنوان الرسالة الثاني (بيان وجوب التوبة وفضلها) وفي الإحياء نفس العنوان ص ٤، وعنوان الرسالة الثالث (وجوب التوبة على الفور وعلى الدوام) وفي الأحياء (بيان أن وجوب التوبة على الفور) ص ٧، وعنوان الرسالة الرابع (بيان أن التوبة الصحيحة مقبولة) وفي الإحياء (بيان أن التوبة إذا استجمعت شرائطها فهي مقبولة لا محالة) ص (١١)، وعنوان الرسالة الخامس (بيان ما تكون عنه التوبة وهي الذنوب) وفي الإحياء (الركن الثاني فيما عنه التوبة وهي الذنوب صغائرها وكبائرها) ص ١٤، وعنوانها السادس (انقسام الذنوب إلى كبائر وصغائر) وفي الإحياء (بيان أقسام