للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[أين انتم يا أحبائي؟]

للأستاذ محمد سعيد العريان

الغد. . . . إن الغد ليتراءى لي خلف ضباب المنى كأني من توهمه أستعيد تاريخا غبر لا يفصلني منه إلا ما فات من أيامي: وإني لأرى من خلفه ثلاثة أحباب كأنما كنا معاً ثم افترقنا إلى ميعاد!

هأنذا في الفلك مرتفق إلى حافته، والموج من حولي يعج ويصخب، والنسيم يصافح خدي فأسمع في دمدمته أصداء ذكرى بعيدة، طوفت ما طوفت ثم عادت تترامى إلى أذني خافتة من طول ما أعيت في مجاهل الزمان. . .!

وهاهي ذي إلى جانبي في الفلك مرتفقة إلى ذراعي، قد عطفها علي خوف البحر لتلتمس الأمان من قربي، فما ركبت البحر من قبل ولا كان لها بهدهدة الفلك عهد

قلت لها: (أتخشين البحر؟)

قالت: (بل أخشى الفراق!)

قلت: (فإنني إلى جانبك فما يفزعك؟)

قالت: (حبذا أن يكون هذا حقيقة! أهذا هو البحر، وتلك هي السماء، وهذا أنت؟ فما بي خوف البحر وإنك إلى جانبي، ولكني أريد لك أن تعيش!)

وهدأ البحر واملست صفحته، وراح الفلك يشق الماء في لين وخفة، وإن له لموسيقى هادئة فيها عذوبة الأمل الواثق ونشوة السعادة الراضية

وثابت إلى نفسها، فراحت تنقل الطرف من هنا إلى هناك وفي ابتسامتها معان من الغبطة وفي عينيها نظرات. . .

قالت: (أتسمع إلى هذه الموسيقى؟ فإنها لمن نفسي وفي نفسي!)

قلت: (ما أحب إلي أن أبقى إلى جانبك الدهر نستمع إلى أغاني الحب في خرير الماء وهمس النسيم، ونمتد في أحلام السعادة ما امتدت بنا الحياة!)

قالت: (أئنك لتقرأ ما في نفسي، فما أعدل بما نحن فيه أن يكون لي الملك! أرأيت في الحياة ملكاً يعدل قلبين يؤلف بينهما الحب؟)

ورأيت على الشاطئ القريب قصراً قائماً، تلوح النعمة من شرفاته ويستعلن الغنى

<<  <  ج:
ص:  >  >>