حبيب الطائي، أو أبو تمّام، أو أبو التَّمَام، أو ملك القريض الأول - والملك الثاني هو المتنبي، والبحتري نائب ملك ثم أمراء (كبار وصغار) ووزراء، والمعري شيخ إسلام، وبن الرومي إمام (خليفة) خوارج، وقواد وعمال ولايات (ولاة) ورعايا وجنود وقَدِيديون، ولا ملك ثالث في المملكة - حبيب هذا شاعر عبقري أيّ شاعر، ومنزلته هي منزلته، وشعره هو شعره، فما تقريظ أو تقحيم بنافعه، ولا تعييب بضاره؛ إنه الشاعر ذو العبقرية والإبداع، وإنه في سماء القريض الشمس ذات الضياء الباهر والإشعاع؛ وقد كان الشعر قبل أبي تمام تجربةً وتمريناً، ومقدمةً وتمهيداً؛ وكان كلاماً، ثم جاء بن أوس وبن الحسين فقالا - وغيرهما مثلهما لا يقول -: (لأبي تمام استخراجات لطيفة، ومعان طريفة لا يقول مثلها البحتري)(نحسن أن نقول ولكن مثل هذا - مثل قول المتنبي - لا نقول)
وإن الباعث اليوم على هذا القول هو كتاب في أخبار (الحبيب) ظهر، وهو كتاب:(أخبار أبي تمام) تأليف أبي بكر محمد بن يحيى الصولي
وكتاب يصنفه إمام الأدباء وسيد الظرفاء أبو بكر الصولي طرفة تحفة دونها كل طرفة. وقد أبى الله أن يضام هذا الكتاب (كما ضيم من قبلُ ديوان هذا الشاعر بتلك الطبعات المخزيات المحرفات. . .) فسخر له أدباء مهذبين مثقفين ثلاثة، وهم (خليل محمود عساكر، ومحمد عبده عزام، ونظير الإسلام الهندي) - أبٌ وابنٌ وروحُ قُدُس كما تقول النصارى - فحققوه أبلغ تحقيق راجعين في كل مشكلة إلى الأساتذة الأجلاء:(الأستاذ احمد أمين، والدكتور طه حسين، والأستاذ أمين الخولي، والدكتور كراوس، والأستاذ إبراهيم مصطفى) وطبعته (لجنة التأليف والترجمة والنشر) في مصر أكمل طبع، واختارت له الكاغد الجيد
طالعت هذا الكتاب فألفيت الصولي قد سطر فيه من أخبار أبي تمام ما لم نره في تصنيف من كتب الأدب قبله، وروى أقوالاً لأئمة كبار في هذا الشاعر لم يطرفنا إياها غيره، وهي تعالن معالنة بعبقرية (الطائي الأكبر) وعلو منزلته. (قال عمارة بن عقيل: لقد عصفت رائية طائيكم هذا بكل شعر في لحنها. لله دره! لقد وجد ما أضلته الشعراء حتى كأنه كان