كثيراً ما قامت موازنات بين الشعر والتصوير؛ فقد قال (سيمونيدس)(الشعر تصوير ناطق، والتصوير شعر صامت). وقال (كوزن): (الشعر أول فن من الفنون الجميلة، لأنه يمثل غير المحدود خير تمثيل). وقال أيضاً:(ولو أن الفنون - إلى حد ما - بعضها بمعزل عن البعض الآخَر، فإن فناً منها قد انتفع بموارد جميع الفنون، ألا وهو الشعر. فمن الكلمات يستطيع صاحب القريض أن يصوغ صورة، أو ينحت تمثالاً، أو يحاكي المهندس المعماري في تشييد المباني. وفي مقدور الشعر أن يجمع بين عذوبة اللفظ والموسيقى. ففي الشعر كما يقولون تتلاقى جميع الفنون).
إن قصيدة عصماء معرض من الصور. ومما لا جدال فيه أن التصوير والنحت يعطياننا - عن شيء لم نره من قبل - صورة أكثر وضوحاً من أي قول أو وصف؛ ولكن إذا ما وقع الشيء تحت أنظارنا - تنعكس الآية - فنرى ثمة أموراً كثيرة يبرزها الشاعر أمامنا، وقد كنا لا نراها قبلاً في الشيء ذاته من تلقاء أنفسنا؛ فالفني هو الذي يصنع الأشياء واضحة كل الوضوح، أما الشاعر فهو الذي يخلق الأحداث والمعاني.
الشاعر العبقري مهبط الوحي والإلهام، ولذا نرى له حاسة فائقة لإدراك الجمال، وله مشاعر أدق من مشاعر معظم الرجال، مشاعر مضبوطة ضبطاً محكماً. قد يكون المرء شاعراً ولو لم يدرس شيئاً عن علم العروض؛ أما من يكتب شعراً رديئاً، أو حقير، فهو ليس بشاعر. لا يحيا الشعر ويدوم طويلاً إلا إذا كان شعراً حياً، إذ أن ما يصدر عن العقل والعاطفة ينسكب في القلب.
إن الشعراء والكتاب الذين يعدون في الطبقة الثانية سرعان ما تنقرض ذكراهم، ويتقلص ذكرهم، ويتوارى في زوايا النسيان؛ أما العباقرة منهم فأثرهم خالد إلى الأبد. ألم يعمر شعر حوالي ٢٥٠٠ سنة دون أن يفقد حرفاً من حروفه، أو مقطعاً من مقاطعه، على حين نرى قصوراً شاهقة وقلاعاً حصينة قد دمرت واتى عليها العفاء؟ أجل لا يتسنى لنا أن نحصل على تماثيل كورش والإسكندر قيصر، أو على صورهم الحقيقية، لأن الصور الأصلية لا تدوم، وما ينقل عنها تنقصه الحياة وتعوزه الحقيقة. أما الصور الذهنية لعبقرية الرجال