وعلمهم، فتبقى في الكتب بعيدة عن عبث الزمن متجددة في كل حين، وليس من الصواب أن نسميها صوراً لأنها تتوالد وتلقي بذورها في عقول الناس فتثير في الأجيال المتعاقبة أحداثاً وأراء لا حد لها
إذا كان اختراع السفينة فكرة نبيلة. . . تلكم السفينة التي تنقل الثروة والمتاجر من مكان إلى أخر، وتصل البلاد المتنائية بعضها ببعض فتتبادل محصولاتها - فما أحرانا أن نعظم الآداب التي تحاكي السفن في كونها تمخر عباب البحار، ولكنها بحار الزمن المترامية الأطراف، فتربط العصور المتوغلة في القدم، فينتفع كل عصر بحكمة العصور الأخرى وثقافتها واختراعاتها!
يحتاج الشاعر إلى مؤهلات كثيرة. يقول (كوزن)(من الذي وضع تصميم هذه القصيدة الغفل؟ وما الذي البسها الحياة والبهاء؟ الحب. وما الذي ارشد العقل والحب؟ الإرادة). ومن المسلم به أن لكل من الرجال قسطاً من الخيال، أما المحب والشاعر فمن الخيال قد خلقا كلاهما
إن عين الشعر ترنو في سمو وجلال، وتسبح من السماء إلى الأرض ومن الأرض إلى السماء؛ بينما خيال الشاعر يتصور الأشياء غير المنظورة، نرى براعته تصوغها في قالب فني جميل، تعين للعدم مكاناً وتعطيه اسماً
يقول (شيشرون) الخطيب الروماني الشهير في خطبته عن (اركياس): (أليس هذا الرجل جديراً بحبي، جديراً باعجابي، جديراً بكل ما أستطيع من وسائل دفاعي عنه؟ أننا قد تعلمنا عن اكثر الناس حكمة أن التربية والتعليم والمران تكسب المرء تفوقاً في أي فرع من فروع العلم غير الشعر. أما الشاعر فقد صاغته الطبيعة وأيقظته القوى العقلية، وأوحى إليه بما نسميه روح الإله نفسه). يقول أفلاطون:(الشعراء أبناء الإلهة ومترجموهم)
يرفع الشعر الحجاب عن جمال العالم، ويبسط على الأشياء المألوفة فيضاً من النور وهالة من الخيال. أن من يحب الشعر حباً حقيقياً لا يعجز عن إحراز قسط وافر من السرور بمظاهر الطبيعة التي لا يرى فيها محبوها إلا جمالاً، ولا يسمعون منها إلا أنغاما موسيقية. على أن الطبيعة - مع ما فيها من أنهار عذبة، وأشجار مثمرة، وازاهير أرجة عطرة - لم تبرز الأرض في حلة أبهى واجمل مما وصفها به الشعراء