هذا هو المال، له ألق براق يخطف البصر ويخلب اللب ويستلب بالفؤاد، وله سحر جذاب يأسر القلب ويستهوي النفس ويطمس على الرأي.
فرويدك - يا صاحبي - فإن سعار المال يوشك أن يركبك فتنزلق فتصبح وما بك طماح إلا جمع المادة. أنت الآن على حافة الهاوية، فتعال أسر إليك حديثاً علك تجد فيه متعة أو زجراً أو لهواً:
إن الكلَب للمادة يصدئ العقل ويشل الفكر ويبلد الذهن وينفث في القلب الفظاظة والغلظة، ويستل الإباء والأنفة، ويورث المهانة والضعة.
إن الكلَب لا يرعى حقاً، ولا يبقى على ود، ولا يتورع عن رذيلة، ولا يرتدع عن دنيئة، ولا يتذمم عن مأثم، ولا يترفع عن صغار؛ غايته أن يجمع المال ويكدسه، ثم لا يعنيه في هذا السبيل أطوقه العار أم استذله المسعى!
وأنت فتى عقد عليك أمل منذ تخرجك في الجامعة، وتعلقت بك الأبصار منذ عينت في وظيفة حكومية، ومنذ صرت بين أخوتك وأهلك رجلاً وإنساناً، فيا ضيعة الأمل إن تلفتوا فلم يجدوا فيك الرجل ولا الإنسان!
يا عجبا! كيف يركبك (سعار المال)، وأنت يا صاحبي رجل، وما بك طماح. . .!
أتذكر يوم كان راتبك الحكومي سبعة جنيهات، يوم كان ميراثك يغل عليك في السنة خمسين جنيهاً فحسب! لقد كنت رضي النفس طيب القلب سمح السجايا، تتأنق في ملبسك ومأكلك ومسكنك، وترف رفيفاً جميلاً على رفاقك، وتفيض على صحابك من كرمك، وتحبو اخوتك الصغار من عطفك؛ فكانت أحاديث الحب والاحترام تحوم حواليك حيث أنت، يتضوع من خلالها عبير الإخلاص والوفاء. وكنت أنت تتهلل بشراً وإيناساً، يفيض وجهك طلاقة ومرحاً؛ وكنا نأخذ عليك كثرة المزاح والمفاكهة ونلومك على أن ترى الحياة هزلاً وهذراً، لا تستأهل أن يعنى المرء نفسه بما تجئ وبما تذر، فسخرت منها حيناً وضحكت عليها حيناً. أفكانت تلك طبيعة ركبت فيك، أم هي أخلاق تخلقتها إلى حين؟!
والآن، حين أرتفع راتبك إلى العشرين من أثر التنسيق، وحين زادت غلة ميراثك إلى