المئات من أثر الحرب، وحين سحرك حب الغنى، وحين ركبك (سعار المال). . . نسيت أنك عضو في أسرة، وأنك أخ بين إخوة، وسحبت على الماضي ذيل النسيان، فعققت أهلك وذويك، وأغضيت عن الود والقرابة، وغاض منك البشر والإيناس، وانمحت فيك سمات البشاشة والمرح، وانطويت على نفسك تدفن آمالك المادية في إضعاف أخيلتك، وتطوي خواطرك الأرضية بين ثنايا وحدتك، وحالت ابتسامتك، وأصابك السهوم، فذوت نضارتك وتغضن جبينك، وعشت ساعات طوالاً تتأمل في (خريطة مساحية) تفليها وتقلبها وتضع علامات هنا وهناك وتقول لنفسك: (آه لو اشتريت هذه وهذه وهذه. . . وآه لو استبدلت هذه بتلك وتلك بهذه!) ورحت تسلك إلى غايتك سبلاً مادية وطرقاً ملتوية.
هذا هو شغلك في فراغك وفي عملك، وأنت تعلم يا صاحبي أنك تثقل على نفسك وتحملها ما لا طاقة لها به، فهذه أفانين لن تترفع بك إلى غايتك، ولو حرصت!
نعم، أنا أعرف خلجات نفسك ونبضات قلبك، فلا تقل إنني أستعين على عوادي الزمن - وأنا شاب - خيفة أن تعصرني على حين فجأة؛ ولا تقل إنني أهيئ لأولادي حياة ناعمة وأضمن لهم حق التربية والتعليم، فالمدرسة تبهظ الأب في غير رحمة، والحكومة تسخر من الموظف حين تدفع له راتبه أول الشهر لتتقاضاه - من بعد - أقساطاً ثمناً للكتب والعلم؛ والأب بينهما يستمرئ السغب والعرى ليشتري لأولاده مكاناً في المدرسة. لا تقل ذلك فإن للثراء مسارب أولها التوفيق وآخرها الشح والكزازة!
وأذهلتك أخيلة الثراء فأسففت. وخيل إليك أن زوج أختك قد غلبك على بعض مالك، فذهبت إلى أختك تحاسبها على ذنب لم تقترفه، وأمطرتها بحديث فيه الجفاف والتقريع؛ وأحست هي منك الجفوة والخشونة، فلم تجد في طبيعتها النسائية ما تدرأ به عن نفسها إلا الدمع فأجهشت للبكاء تستنزل عطفك وتستنهض مروءتك، ولكن قسوة المادة قتلت فيك الرجولة فاندفعت تضليها شواظاً من قارص الكلام. . . وراحت هي تبكي!
لعلها - يا صاحبي - كانت تبكي فيك الإنسانية!!
وتحاماك أهلك حين جاءك صاحب دين يستقضي دينه فمطلته ثم أنكرت عليه حقه، ثم سخرت منه لأنه لم يكتبه عليك. وطلب هو الغوث من عميد أسرتك، فما تعوقت في الدفع ولا تمهلت!