للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

بيفردج والمرأةَّ

للأستاذ عباس محمود العقاد

قال لي صاحبي وهو يوشك أن يلقى بالصحيفة من يده: وما شأن بيفردج بهذه المسألة؟ ما شأنه بالمرأة وما يقوله الحكماء والشعراء في النساء؟

بيفردج والمشاكل الاقتصادية مفهوم؛ أما بيفردج والمشاكل العاطفية فغريب غير مفهوم، لأنه يبدو للأكثرين في هذه الحالة كمدير المصرف الذي ينظم ديواناً من الشعر على هامش الميزانية! أو كالسياسي الذي يسوق العواطف في خطاب رسمي من خطب الأزمات والمعضلات! وكل ذلك غريب أو (نشاز) كما يقال في لغة الفنيين

كان الذين يعرفون بيفردج قبل هذه السنة يعرفونه قطباً من أقطاب الاقتصاد السياسي ولا سيما في مسألة البطالة ومسائل التأمين الاجتماعي والتموين على الإجمال. فلما ظهر بمشروعه المشهور منذ بضعة شهور ظهر في ثوبه الذي يعهده الناس، وعرفه الأكثرون في أنحاء الأرض كما كان يعرفه الأقلون في البلاد الإنجليزية، رجلاً من رجال الحساب أو الإصلاح المبني على الحساب

أما صاحبي الذي كان يقرأ الصحيفة وأوشك أن يلقيها من يده دهشة فقد خيل إليه أنه يراه في غير زيه ويلتقي به في غير مكانه؛ لأنه رآه في كتاب عجيب صدر قبل ثلاثين سنة ولم يحفل به أحد غير قراء الأدب يومذاك. وهو كتاب جمع فيه المصلح الكبير طائفة مختارة من أقوال الحكماء والأدباء والمفكرين من أقدمين ومحدثين. . . في أي موضوع؟. . . في موضوع لا يتخلله رقم واحد من أرقام الحساب، وهو موضوع المرأة والحب والعاطفة والمناجاة!

قلت لصاحبي: الرجل على حق. . . وأنت المخطئ في هذه الدهشة التي فوجئت بها كما يفاجأ المرء بالمتناقضات. وليس فيها من التناقض شيء على ما أعتقد. بل هي أدل الدلائل على طبيعة الإصلاح المتأصلة في هذا الرجل من أوائل عهده بالاشتغال بالمسائل الاجتماعية، لأنه جمع الإصلاح الاجتماعي من يمينيه وشماله، واحتواه في جميع أحواله وأشكاله. فاهتم بمسألة الرجل والمرأة، كما اهتم بمسألة الفقر والغنى، وهما هما الإصلاح الاجتماعي بحذافيره من قديم الزمان، وفي كل ما تنزل من الأديان أو المذاهب والدعوات

<<  <  ج:
ص:  >  >>