وقف على غير انتظار في وسط الجمع وكان صامتاً وكانوا صامتين، ويظهر أنهم يشعروا ببدخوله، فابتسم ثم جرْ كرسياً وجلس على مقربة من صاحبة المنزل، فلما نظرت إليه قالت:(ما أغرب تصرفاتك! هل مشيت كل المسافة بين بروم هيل وبين المنزل في هذه الشمس؟).
فهز رأسه بالايجاب دون أن يتكلم، وقد كان غريب التصرفات كما وصفته مسز ألينورا بونيتون التي أمرت على أثر مجيئه بالشاي والتفتت إليه وقد كان مجيئه بغير دعوة وجلوسه بغير استئذان.
ودار الحديث بينهم متجاهلين جوده فشرب الشاي في صمت وهو شاعر بهذا التجاهل ولكنه لم ينسحب من المجلس ولم يهم بالانسحاب.
وقالت اللادي مارتين لصاحبة المنزل:(ما أغرب هذا الرجل ياعزيزتي ألينورا! أهو نموذج لأهل جيراتكم؟ لقد كنت أظن أهل هذا الوسط راقين!).
فهزت مسز ألينورا كتفها وقالت:(لا يعلم إلا الله من هو وماذا يريد، وليس فينا من يحبه غير زوجي، وأنت تعرفين أنه يسر من كل شيء غير عادي).
فقالت الزائرة:(ولكن من أين أتى؟ هل هو جار؟).
قالت: ألينورا: (اسمه ليندهام وهو يسكن في كوخ على بعد بضعة أميال، وليس لدي أي إنسان فكرة عن شخصيته ولا عن الجهة التي جاء منها، وهو يقضي معظم أوقاته في المشي في الطريق وفي غزو المنازل).
قالت اللادي مارتين:(يظهر من هيئته أنه راق وأنه غريب الأطوار).
فاختلست مسز بوينتون نظرة من المستر ليندهام وقد كان في ثياب شديدة القدم ولحية مقصوصة على غير نظام ورباط رقبته منحرف، ولكن في هويته علائم التهذيب وصوته الهادئ الرصين يفتن سامعيه.