فيسأل لامرتين ضيفته: هل أصابكِ في حياتكِ ما أحزنكِ وصدع قلبك؟ فتجيبه: مراراً قليلة يا سيدي لأني خالية البال من حمد الله. غير أن لكل أتراحه على هذه الأرض، ولاسيما إذا كان فتاة مثلي لا أسرة لها ولا أقارب ولا زوج ولا بنين، تنام وحيدة وتستيقظ وحيدة لا تسمع في داخل غرفتها إلا سقسقة عصفورتها في القفص. ولكن شاء القدر أن يحرمني هذه الرفيقة اللطيفة بعد أن ألفتها فلقيتها صباح يوم ميتة وقد ضمت قائمتيها وفتحت منقارها وأطبقت أجفانها، وبموتها حلَّت الكآبة في الغرفة فلا سقسقة ولا فرح ولا صداقة، فما أحزن هذه الحالة يا سيدي. ثم تجفف دمعتين كانتا تترقرقان في محاجرها وتزيد على قولها:
إذا لم يكن للإنسان من يحبه ويعطف عليه من أبناء جنسه فأنه يميل إلى الحيوانات وعشرتها. كانت عصفورتي تحبني، وكثيرا ما داعبتها وتحدثت إليها كأنها تنطق وتعقل. يقولون ليس للحيوانات أرواح، ولكن لو لم يكن لعصفورتي روح فبماذا كانت تحبني؟ أبريشها وقوائمها؟ وسمعت أيضاً أن في الفردوس أشجاراً تتفيؤها الأطيار. فأنا لا أرى أقل بدعة في هذا القول، أيمكن أن يكون الله مع صلاحه وعدله مخاتلاً؟
فيسألها لامرتين: هل كتبتِ شيئاً في موضوع حزنك؟
فتجيبه: نعم كتبت لما نظرت القفص فارغاً والنبتة جافة على شباك النافذة؛ طفر الدمع من عيني، فجلست إلى المنضدة ونظمت قصيدة ناجيت بها تلك العصفورة الرقيقة كأنها لا تزال حية تسمعني، ولكنني لم أستطع تكملتها لفرط حزني
فيقول لها لامرتين: أسمعيني هذه القصيدة أو ما تتذكرينه من أبياتها، ولا بأس إذا جاءت متقطعة فبغيتي أن أقف على مبلغ ما فيها من الشعور لا على تناسق قوافيها
فتعمل فكرتها قليلاً، ثم تنشد بصوت رقيق ولهجة مؤثرة أبياتاً من الشعر في وصف عصفورتها وما كان بينهما من الصداقة والألفة