حاولت فيما عرضته أن أوحي إلى القارئ بما يجب أن تتوفر الصحافة على خدمته من مثل أعلى، وأن أدله على ضوئه إلى ما كان من تقصير الصحافة البريطانية في أمره ونيتها في نهجه وقصورها عنه، وبوسعي أن أتخيل صحفياً أثقله عمل لم يؤده إلى بجهد جاهد ودرى بما يرسف فيه من أغلال وما نصب له من أشراك دراية جامعة وهو يحاورني عن علم وخبرة قائلاً:(عافنا من عسير أرمك يا أخي وترسل فيما يجتال بخاطرك من نسج النظر ووهم الخيال!) فأي نوع من الصحافة يسعك أن تبدعه إذا هيئوا لك الفرصة، وأطلقوا في الأمر يدك؟
هبك كنت (توماسن) بصحيفته (التربين)، أو (الفردهارموث) بصحيفته الناضجة (الديلي ميل) أو (ليفي لوسن) بصحيفته (الديلي تلغراف)، وقل لي لعمرك ماذا عساك صانعه - وأنت مقيد بقيود الصحافة الحاضرة - لتظفر بالحرية وطيب الحياة لصحافة أمست وهي تخضع خضوعاً كبيراً للاعتبارات التجارية؟؟
أغلب ظني أنه حوار حكيم وسؤال عادل، وقد يتأتى لي أن أجيبه إجابة نظرية عما سأل بقدر ما يشق على أن أقارعه الحجة بالحجة من الوجهة العملية الناجحة وأضعها نصب عينيه حقيقة واقعة؛ فهذا شأن آخر له قدره وأثره، وليس يتوفر لجميع الصحفيين من البراعة وبسطة الكف ما يسعهم معه إنشاء صحيفة؛ فقد كان (و. ت استيد) مثلاً صحفياً عبقرياً ورئيس تحرير نابغاً وهو إلى عبقريته ونبوغه قد أخفق إخفاقاً محزناً في إخراج صحيفة يومية، وإني على العموم لست قانعاً بأني أملك لنفسي من الكفاية والأداة ما يسعني معه أن أطالع الناس بصحيفة يكتب لها النجاح من الوجهة التجارية؛ كما وسع (جون) و (ولتر الثاني) صاحب (التيمس)، وليفي لوشن صاحب (التلغراف)، ويوسف بوليترز صاحب (النيويورك ويرلد)، وأدولف أخ صاحب (النيويورك تيمس)، والفرد هارمسورث صاحب (الديلي ميل)؛ في مذاهبهم الخاصة وطرقهم المختلفة، أو كما وسع (لورد بيفربروك) صاحب (الديلي اكسبرس)، ولورد كامروز صاحب (الديلي تلغراف)، (السندي