كانت دعوة مارتن لوثر المشهورة لا زالت طفلة غضة تحبو على يديها ورجليها، ولكنها كانت تتعثر كثيراً وتصطدم بعقبات قاسية، فحاربها البطاركة والرهبان في مختلف الأديرة والكنائس، وحاربها الملوك والأمراء والأعيان، بل حاربتها الشعوب أنفسها
وكان طبيعياً أن تتسرب تلك الدعوة الجريئة، في أوائل القرن السادس عشر، من بروسيا مهدها ومنشأها إلى جاراتها القريبة، وخاصة بولندا، وتلاقي صدى عند المفكرين الأحرار وأنصار التجديد الأجرياء
ولكن بولندا في تلك العصور كانت خاضعة خضوعاً عجيباً للبابا في روما. وكان البابا الكاثوليكي الروماني أشد خصوم دعوة لوثر التي ترمي إلى تجديد الدين وإصلاحه، دأب رجال الدين جميعاً في محاربة كل تجديد، أو ما يسمونه بدعة أو فتنة! فما بلك بخليفة الله في الأرض، وما يحيط به من آيات الجلال والتقديس، وهو يخشى أن تزعزع تلك الدعوة كيان روحانيته على الشعوب التي تقدسه؟
فكانت كل دعوة إلى الأخذ بآراء مارتن لوثر، أو ميل إلى تجديد الكنيسة يقابل بحرب عنيفة ولا شك مبعثها البابا، والمحرض الأكبر عليها هو وأعوانه الكثيرون
ولكن على الرغم من ذلك وجد بعض الأجرياء في بولندا في ذلك الحين، ولعل أول هؤلاء المصلحين الذين أثروا تأثيراً كبيراً في الكنيسة البولندية والحياة البولندية جميعاً هما أندرومودجافسكي وستانسلوس أوجاخوفسكي. ولكن ثانيهما كان أبعد أثراً وأجرأ قلباً وأعنف قلما وبيانا، وأشد إقداماً وأرسخ قدما من زميله
تلقى هذا الرجل علومه في وتنبرج، فاعتنق مذاهب المجددين وتشرب نظرياتهم وآراءهم، ثم صار تلميذاً للمجددين الدينيين العظيمين (مارتن لوثر) و (بلانجتن)