لن أعفيك يا قلمي الحبيب من أن تذرف دموعك صلاة خالصة على فخر الكائنات، بعد هذه القرون الطوال التي غبرت منذ أذرفت عيون المؤمنين حينما لحق الروح الكريم بالرفيق الأعلى
ما كان أجلها لحظات تتصل فيها الأرض بالسموات!
إن لم يكن بد من رفيق في هذا السفر الطويل فما أختار لك! إلا قلبي ودموعي!
لا عليك يا قلمي الحبيب، فقد تستطيع أن تصم أذنيك عما يجلجل في تيه الزمن، من هتاف المجد، أو أنين الهزيمة. . . في الشرق والغرب، والشمال والجنوب، فما أريد لك إلا أن تصل سالماً إلى ما وراء هذه السنين الألف والثلاثمائة والخمسين والإثنتين، لتشهد فخر الكائنات محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، فوق ناقته بأرض عرنة يخطب المسلمين، بل يخطب البشرية كلها، قائلاً فيما يقول:
(أوصيكم عباد الله بتقوى الله وأحثكم على طاعته، وأستفتح بالذي هو خير. أما بعد أيها الناس اسمعوا مني أبين لكم فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا في موقفي هذا!)
لشد ما وجفت قلوب المؤمنين لدى هذه الكلمة التي أرسلها فخر الكائنات بأرض عرنة في حجة الوداع التي كره بعضهم أن يطلق عليها هذا الاسم فدعاها حجة الإسلام وحجة البلاغ!
لقد نظر المسلمون بعضهم إلى بعض وقد غشيهم من تلك المبادأة بالوداع غاشية. . . ألا ترى إلى الرسول الكريم يتلو عليهم بعد صلاة العصر في اليوم نفسه ما أوحي إليه ثمة من قول الله تعالى:
(اليوم أكملت لكم دينكم وأتمت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) فيسمعها أبو بكر فيبكي، لأنه يضيفها إلى الكلمة التي قالها الرسول حينما زالت الشمس وهو قائم مقام إبراهيم يخطب، فيعلم أنهما أمارتان من أمائر الفراق!
ثم ما هذه النوق الثلاث والستون ينحرها فخر الكائنات بمنى يا رفاق؟! أتكون عدد الدرج إلى الرفيق الأعلى؟ أليس قد بلغ الرسول الكريم عامه الثالث والستين من التقويم الهلالي؟ أليست هذه هي الأمارة الثالثة؟ ليبك أبو بكر إذن، ولتبك الأجيال كلها معه. . . فوالله لقد