للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الأحلام الناجحة]

للأستاذ عبد العزيز جادو

(س) فتاة ناهزت الخامسة والعشرين، وإنها لكالزهرة الناضرة في الروضة اليانعة، ترفل في صحة ضافية، وتزدهي بجمال فتان. وكان من نعمة الله عليها أن خلّى الله لها والديها يستمتعان بميسرة في العيش وبهجة في الحياة. وإذ كانت الآنسة (س) من خريجات الجامعة المتفوقات، فقد أبت أن تركن إلى الدعة وشاءت أن تشتغل معيدة في الجامعة، فوجدت في عملها هذا لذاذة وأقبلت عليه في شوق.

وما هي إلا أيام حتى تغير كل شيء، فانهارت صحتها، وكثر تغيبها عن عملها، بعذر وبغير عذر، وعاد شبابها البهيج وجوماً وانقباضاً.

ولما بحثت حالة هذه الفتاة، تبين أنها نتيجة حلم.

ولقد سرّها أن ترى الحلم أول مرة على ما فيه من إبهام وغموض، ولكنه لما تكرر ليلة بعد ليلة أفزعها وأرعبها، وحاولت جهدها أن تنفيه عن ذاكرتها أثناء ساعات نومها، ولكن بدون جدوى.

وبدأ الحلم أول مرة كأنما هي في صحراء موحشة، وبينا هي تكافح في سبيل بلوغ الطرف الآخر من البادية، حيث تعرف أن هناك شراباً ووسائل للترفيه، إذا بها ترى أن الرحلة طويلة شاقة، وإذا بالشمس اللاذعة تتسلط على رأسها وقفاها وليس لها من دونها حجاب. وكانت (س) تلهث من فرط العطش والتعب، وكل خطوة تخطوها في ذلك القفر تشعرها كأنها تقتلع صخراً بأقدامها. وأخيراً بلغت الواحة، وهنا بدأ الجزء المفزع في الحلم، فقد كانت المياه تترع الأنهار وتنصب في الشلالات، ثم تكون بركا عميقة في كل جانب، فأطفأت الفتاة عطشها بأن شربت جرعة، غير أنه كان يبدو إلى جانبها شخص في هيئة الشيطان يهيب بها في صوت عال ضاحكا: (اشربي! اشربي!) ولم يكن بالفتاة حاجة إلى الشرب بعد ما استوفت واكتفت، ولكنها أرغمت على اللعب والاكتراع حتى صار الماء يتدفق ثانية من شفتيها، ومع ذلك فهي مرغمة أبداً على الشرب. وأخيراً وجدت نفسها تسبح في مجرى مائي أسود اللون، ومع إشرافها على الغرق فإنها لا تغرق.

وهكذا تكرر الحلم ليلة بعد ليلة، حتى أمست الفتاة في حالة تدعو إلى الرثاء.

<<  <  ج:
ص:  >  >>