ولما عرضت الآنسة (س) على أحد الأطباء النفسانيين، وبحث حالتها بحثاً شاملا، وجد أن إلى جوار المنزل الذي تسكن فيه غدير ماء كان موضع بهجتها في طفولتها، ولكنها الآن تخشاه، ولو أنه أصبح جزءاً من حياتها يلازمها في رواحها ومغداها وهذا ما تمثل لها في قول الشيطان:(اشربي! اشربي!).
فإذا خلينا حالة هذه الفتاة الشابة جانباً، وعالجنا الأحلام من جانبها العلمي، وجدنا أن بعض الناس يفتخر بأنه لا يرى في نومه حلماً؛ ومع ميلنا لتصديق هذا الزعم، إلا أننا نعتقد أن مثل هذا الشخص به ضعف في الذاكرة، فنحن لا يمكننا في كثير من الأحيان تذكر الأحلام بجملتها.
ويعتقد كثير من الناس أن الأحلام إنذارات بما ستأتي به الأيام من حوادث. وكتب تفسير الأحلام التي تباع في الأسواق بكثرة تستوقف النظر، والتي تفسر كل حلم على حدة، إنما تعالج الحلم ودلالته المستقبلة.
وأقطاب علم النفس اليوم لا ينكرون أن للأحلام معالم دالة على المستفبل؛ ونحن لا ننكر أن للأحلام تنبؤات، وإن كانت الأحلام في الغالب أشباحاً من الحاضر والماضي.
ويخبرنا النفسانيون فوق ذلك أن الأحلام تندرج بين تجاربنا الطبيعية الضرورية لحياتنا، وأنها تعبير عادي من تعبيرات العقل لا ضرر منه أكثر من الضرر الذي ينجم عن الطعام أو التنفس أو النوم ذاته.
وقد وضع الدكتور سييجموند فرويد منذ قرابة أربعين عاماً نظرية عن الأحلام سماها (نظرية الحراسة). وقصارى هذه النظرية أن النوم ضرورة جوهرية للجسم الصحيح، وأن العقل ذاته يفعل كل ما في مكنته ليتحقق من أن الجسد يأخذ حظه المقسوم من النوم المريح؛ وفي أثناء النوم يلزم العقل الواعي أن يكون في راحة تامة، بيد أن العقل الباطن يظل مزاولا وظيفته خلال النوم من غير أن يوقظ النائم. والعقل الباطن يختزن في أعماقه حوادث وذكريات اليوم الماضي، كما يختزن في قرارته ذكريات الأحداث القديمة التي نسيها تماماً العقل الواعي. ذلك أن العقل الباطن لا يعرف النسيان، وهو في كل لحظة على أهبة أن يبدي للعقل الواعي ما قد نسيه. ولو أن الأحداث التي تمر بالعقل الباطن خلال النوم طافت بالعقل الواعي، إذن لأرّقت النائم ونفت عنه الراحة. لذا أخذت الطبيعة حيطتها