ضد هذا الخطر وقدّمت لنا الأحلام. وميكانيكية المخ هي التي تشكل الأحلام في صورها المختلفة، فطوراً تكون شائقة أخاذة، وطوراً مفزعة مرعبة.
على أن الأحلام كيفما تكن حالتها إنما في حجاب وحفاظ على النوم، وفي الصباح تبدو الأحلام مضحكة ووهمية كما تراءت في أشباحها وخيالاتها، ولكنها تعدّ ناجحة لأنها حفظت راحة الجسم وأدَّت وظيفتها المثلى.
والعلم الحديث يقسم الأحلام إلى ثلاث درجات:
الأولى: تختص بالأحلام التي تنجم عن اضطرابات في الغرفة التي ينام فيها النائم. فلو أن صنبور المياه القريب من حجرة النائم اختل وبدأ يساقط نقطا لها صوت؛ أو أن الوسادة التي تحت رأسه تكتلت وغلظت، فإنه في الحالة الأولى يطالع في حلمه مشهداً ريفياً بهيجاً، ويسمع ترنيم الطير على الأشجار. ويحلم في الحالة الأخرى بأنه يتسلق جبلاً ويستمتع بجمال قمته. فالحلم في الحالتين يؤدي وظيفته في حفظ الجسم مستريحا، وكأنه يقول في المرة الأولى للنائم (لا تستيقظ! ليس الأمر أمر صنبور المياه، ولكنها الطيور تغني!) وفي حالة الوسادة الخشنة يقول الحلم للنائم: (إنما أنت تتسلق صخوراً لتصل إلى القمة بعد قليل فتسر بمنظر جميل فلا تكترث!) وعندئذ يكون الحلم ناجحاً وموفقاً.
الثانية: تنشأ من حوادث اليوم الذي مرّ بالنائم. فلو أن أمراً جازت به في يومه أحداث غير سارَّة، فقد يرى في نومه أن رجل البوليس يضرب أحد المارَّة مثلاً. ويقول لك حلمك الحارس:(إنها مشاجرة تافهة، فامض في نومك مطمئناً!).
الثالثة: وهي أهم مما تقدم جميعاً - يستيقظ العقل الباطن في غضونها مستعيداً الأحداث المطوية في ضمير النائم. وتقوم ميكانيكية الحلم هنا بمساعدات ودَّية لاستمرار النوم، إذ تلوح للعقل بأنه يقفز فوق قنن الجبال أو أسطح المنازل أو يعبر المحيطات ومن ثم يسخر ممن هم دونه في القوة. هذه الأحلام تنصح للنائم بالا يبالي بما مرّ به من عقبات وصعاب، أو بما سيجيء به الزمان من مكابدة ومشاق، ولهذا يمنح قوة خارقة تجعله يستنيم إلى الراحة فلا يستيقظ. . .
فالأحلام تعدّ موفقة وناجحة إذا هي أفلحت في حفظ النائم نائماً فلا يفيق من غفوته قبل استيفائه قسطه من الراحة كاملاً.