إن الذي حبب القرآن إلى قلب العربي، وجعله يترك دينه وما وجد عليه آباءه، وما ورثه من قديم الزمان من تقاليد وعادات، هي فضائله وأولاها فضيلة الإخلاص المحض الصراح، فهذه الفضيلة تعتبر منشأ كثير غيرها من الفضائل، لأن الإخلاص هو أساس النجاح في كل شيء. كما أن فيه نظرات نافذات إلى شؤون الحياة. وإنني أرى في القرآن ميزة خاصة وهي قدرته العظيمة على أن يوقع في أذهاننا كل ما جاء فيه ويجعلنا نؤخذ به، وهذا لا شك مرجعه إلى أن ما جاء به لا يقصد منه إلا إصلاح أمورنا والأخذ بأيدينا إلى الصراط السوي.
أنا لا أهتم كثيرا بما جاء به القرآن من الصلوات والتمجيد والتحميد، لأني أرى ما يقاربها في الإنجيل، ولكني لا أملك نفسي من شدة الإعجاب بما جاء به من نظر ينفذ إلى أسرار الكون ويواطن الأمور التي تهمنا جميعا، وخاصة فيما يحيط بنا من أسرار الكون العجيب الذي لا نهاية له. ذلك الكون الذي كان محمد إذا سئل أن يأتي بمعجزة قال. حسبكم بالكون معجزة عظمى (قل انظروا ماذا في السماوات والأرض) انظروا إلى السماوات وكيف بناها وزينها بالنجوم والكواكب وما لها من فروج. . وإلى الأرض التي خلقها لكم وبسطها وجعل لكم فيها سبلا تسلكون في مناكبها وتأكلون من نباتها وتتمتعون بخيراتها (والله جعل لكم الأرض بساطا لتسلكوا منها سبلا فجاجا)، (هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور)، (أمن جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا وجعل لها رواسي)، (والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج)، (أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها ومالها من فروج. والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج. تبصرة وذكرى لكل عبد منيب. ونزلنا من السماء ماء مباركا فأنبتنا به جنات وحب الحصيد. والنخل باسقات لها طلع نضيد.