للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

كان يعامل أباه بكل ما هو جدير به من عطف واحترام. ولم يضمن عليه بكل ما كانت تصبو إليه نفسه.

وقفت طويلا أتأمل في أسى ذلك المكان البديع من العصر الذي قضى فيه الإمبراطور العظيم ثمانية أعوام في الأسر، تشرف عليه وترعاه ابنته المخلصة (روشان آرا) ثم خرجنا إلى شرفة تطل على النهر يرى منها التاج بعيدا إلى اليمين، ويتوسطها برج من الرخام الجميل، رائع الصنع ككل شيء في القصر، بل وكل شيء بناه (شاه جاهان) وبينما أنا ذاهل من روعة البناء والذكرى أشار الدليل بإصبعه إلى قطعة صغيرة من حجر كريم لونها أحمر داكن، لا يتجاوز طولها ثلاثة سنتمترات وعرضها سنتيمترا واحدا، مطعمة في جدار البرج، وطلب مني أن أنظر فيها ففعلت، وإذا بي أرى صورة التاج منعكسة عليها كاملة من ذلك البعد العظيم!!! وفي تلك اللحظة شعرت بقلبي ينقبض شفقة على ذلك الملك البائس الحزين الذي قضى ثماني سنوات يتطلع إلى قبر محبوبته من الشرفة ومن تلك القطعة الصغيرة!! بعد أن باعدوا بينه وبينها. . فياله من حب عظيم، ووفاءه نادر!! ومن يدري؟ فربما كان يتزود المسكين بآخر نظرة منه وهو يسلم روحه إلى بارئها.

دفنوه في قبر فخم إلى جانب قبرها تحت قبة التاج. . مع أنه لم يرد ذلك بدليل الضريح الذي وضع أساسه قبالة ضريحها على الضفة الأخرى للنهر. وكأنه لم يشأ أن يدنس هذا الهيكل المقدس جثمان آخر، حتى ولو كان جثمانه هو.

أثرت (ممتاز محل) بعقلها في تسيير دفة الإمبراطورية وأشرق جمال جسمها وروحها على العالم فترة قصيرة إشراقة الورد النظير، فكانت المثل الأعلى للمرأة والزوجة. وأخيرا أثر موتها الباكر في زوجها فخلد ذكرها بتحفة قلما يجود الزمان بمثلها، وأهدى إلى العالم أعظم وأجمل رمز للحب والوفاء والإخلاص.

محمد بهجت

مصلحة البساتين

<<  <  ج:
ص:  >  >>