للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[من أظرف ما قرأت]

كزينوقراط الفيلسوف

للأستاذ صلاح الدين المنجد

كان في أثينا، أيام أرسطوفان، مائة وخمس وثلاثون حظية، كن زهوراً فواحة فيها، ونجوماً رفافة في سمائها؛ وقد أوتين الخلابة والظرافة والجمال. وكانت لاييس أخلبهن جمالاً وأبرعهن حسناً وأكثرهن دلاً وظرفاً

ويقولون إن فينوس، ربة الجمال والحب، تجلت لها في الحلم فأرتها ما ستحظها به من حظ، وما ستنعم به من نعيمات. . . ومسحت بكفها الصغيرة جسمها الغض، فجعلته مثار غوايات وينبوع شهوات

ولم يخلب الملوك، ولم يشرد نوم الكهان، ولم يُذهل أحلام الفلاسفة، غير لاييس؛ الطروب المدلة، ذات العين الضحوك والجسم الريان. فكان أهل أثينا يجتمعون في (الكورنث) مسرح اللهو واللذاذات، يتمتعون منها بمحاسن تتجدد وملاحات ليس تنفذ، فإذا مضت إلى معبد فينوس، فيا لسحر الجمال! هنالك ترى الشعب يتبعها كالخراف لا يدعون فينوس، ولا يبتهلون إلى آلهة الأولمب، ولكنهم ينظرون إلى لاييس

وفلك ثدياها فكانا شركاً وفتنة: غضوضة تأسر اللب ونعومة تشل الحس، واهتزاز يفتن الناظر. فكان المثالون يعطون فينوس، إذا نحتوا لها التماثيل، ثدي لاييس الحظية أو فرينه اللعوب

وكانت الدنانير تنثر تحت أقدامها كما تنثر الأزاهير لنظرة حنونٍ منها أو بسمة خلوب

ودوخت لاييس أثينا كلها، واشتد سلطان جمالها، وتيمت الأرواح وأذهلت الأحلام، إلا رجلاً واحداً، كان يتجلد ويصبر ولا يذعن لسلطانها. هو كزينوقراط الفيلسوف.

لقد طلبت منه مالاً من ماله. . . (فإذا أعطيتنيه، سكبت في فمك لذة الدنيا، وأذقتك هناءة العمر، في ليلة واحدة!)

ورفض الفيلسوف طلبة لاييس، فأقسمت لتغوينه، ولتجعلنه من عباد جمالها المخلصين، وتخاطرت على الهزء به مع أناس كثيرين.

وطرقت باب مأواه، وقد عبس الليل، مذعورة الجنان دامعة العينين. فقال لها: (ما ذعرك يا

<<  <  ج:
ص:  >  >>