لاييس. . . وما أصابك في هذا الليل البهيم. . .؟) قالت:(لقد تبعني قُطاع الطريق وأرعبني سُفاك الدماء، يريدون اختطافي. . . فأوني في دارك حتى يبرق لي النور. . .!)
وأدخلها الفيلسوف غرفته، وقدم إليها سريره.
يا عجباً! لقد اختفت تلك الدموع الغزار التي كانت تساقطها، منذ لحظات، كحبات المطر، فتنحدر على خدودها كالدرر.
وابتسمت لاييس. . . وابتدأت الفتنة!
لقد وقفت أمامه، فرأى ما يسحر وما يغري: فهذه البسمة الفاتنة كأنها وعد بلذة صخوب، وهاتة الشفاه المفترة التي تقطر الشهد والرحيق، وهاتان العينان اللتان ترسلان لهباً فاتر يوهن القوي، وينظران نظرات حالمة فيهن ظمأ وعتب وأسى. وهذان الذراعان البضان اللذان يمتدان للعناق. وهذه الحركة الرشيقة التي تثير الوجد، والضحكة البارعة التي تفلق الكبد، والغمزة الساحرة التي ينخلع لها الفؤاد. . . ثم هذا الغضب الجميل، والنفور اللطيف، وذاك الدلال الحلو والإقبال الظريف. . . ثم ما شئت من مراح ومزاح، ورقص وشدو، وبكاء وأنين. كل أولئك ما هز الفيلسوف وما أثر فيه.
لقد قطعت الليل تحاول إغراء كزينوقراط، فما خلبته فتنتها، ولا هاجه سحرها؛ لكنه لبث أمامها ينظر متجلداً، كأنه قطعة من حجر أو قدة من جليد.
ولملمت لاييس أثوابها، وخرجت من دار الفيلسوف مع الفجر وفي عينيها الحلوتين دموع الخيبة والفشل
وانتشر الخبر مع النور، فجاء صواحبها مسرعات، فابتسمت لاييس، وقالت:(لقد راهنت على إغواء إنسان. أما كزينوقراط فتمثال من جليد. . .!)
ونظر لداتها بعضهن إلى بعض دهشات، وقلن:(لك عذرك يا لاييس!)
هذا حديث أرسطوفان، ما أدري مبلغ التزويق أو التهويل فيه، ولكني ذكرت، وقد تمثلت في خاطري صورة الفيلسوف حديثاً طريفاً للجاحظ، عن نديم أسمه أبو المبارك الصابئ، كان أحلى خلق الله حلاوة وظرافة وفكراً، وابرعهن حديثاً ونادرة وعلماً، وألطفهن مذهباً وطريقة وفهماً. وكان قد خصي نفسه وأربى على المائة. وكان ينادم الخلفاء والوزراء ويغشي بيوت حرمهن، ويقضي الأوقات الطوال عندهن. وكان قلبه علوقاً بالجمال يتتبعه