سورية الجميلة ذات الخمائل الوارفة، والجنات الناضرة، والمياه الثارّة!
سورية مراح الفؤاد، ونزهة الطرْف!
سورية الكادحة التي يجهد أهلها في السهل والجبل يُخرجون بالماء القليل شتى الثمرات، وينبتون به يانع الجنات، سوريةُ بَرَدى والعاصي!
سورية الصابرة التي وفرت الأيام نصيبها من النكبات والأزمات، المجاهدة التي تجادل عن نفسها، وتجاهد عن شرفها، دفاع البطل الأصْيَد الأعزل، يمضي بجنانه ويده يشق الأهوال إلى غايته، ويحطم الخطوب إلى طلبته، مجاهداً مثابراً، مرزّأً صابراً
سورية التي لم تجف فيها دماء الشهداء، ولم تنقطع سلسلة النوائب!
سورية التي تفيض بالذكَرة المجيدة، والسير الخالدة، وتمتّ بالرحم الواشجة، والقربى الواصلة، والجوار والذمام!
سورية الجميلة الحبيبة، الكادحة المجاهدة الصابرة، فجئها السيل كقطع الليل، ودهمها القضاء من السماء، فاستحالت جبالها أنهاراً، وسهولها بحاراً! طغى السيل بالناس والدواب، وجرف القرى والضياع، وذهب بالزروع والثمار
فهذه جثث الغرقى منثورة في السهول، وأنقاض الدور تغص بها الأودية، وتحت الماء والطين عتاد البائسين، وذخيرة المساكين، وما أبقت الأزمات، من ثياب وأقوات. فانظر إلى الشمل المبدّد، والأمل المخيّب، والهلع والفزع، والفاقة والجزع! انظر إلى الدموع الجارية، والنظرات الهالعة، والخدود الضارعة، والعقول الذاهلة، والقلوب الحائرة، واستمع زفرات الأحياء على الأموات! وبكاء الأولاد أو نحيب الآباء والأمهات! استمع فكم أنّة كليم، وآهة يتيم!
إن الشاعر المحزون الواله ليخيل إليه أن مجرى السيل خليق أن يكون مجرى الدمع؛ ويذكر قول أبي العلاء:
ليت دموعي بمنى سيّلت ... ليشرب الحُجاج من زمزمين
لك الله يا سورية! تركتك منذ قليل تعانين ما تعانين، وارتقبت أن تتطاير الأخبار بما نؤمل