للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[في الأدب العربي]

عكاظ والمربد

للأستاذ أحمد أمين

وكان لكل شاعر من شعراء المربد حلقة ينشد فيها شعره وحوله الناس يسمعون منه؛ جاء في الأغاني (وكان لراعى الإبل والفرزدق وجلسائهما حلقة بأعلى المربد بالبصرة). وكان الناس يخرجون كل يوم إلى المربد، يعرف كل فريق مكانه فيجلس فيه ينتظر شاعره، فقد روى الأغاني أيضا أن جريرا بات يشرب باطية من نبيذ ويهمهم بالشعر في هجاء الفرزدق والراعي، فما زال كذلك حتى كان السحر وقد قالها ثمانين بيتا في بنى نمير فلما ختمها بقوله:

فغمض الطرف انك من نمير ... فلا كعبا بلغت ولا كلابا

كبر ثم أصبح حتى إذا عرف أن الناس قد جلسوا في مجالسهم بالمربد، وكان يعرف مجلسه ومجلس الفرزدق دعا فادهن ولف رأسه ودعا غلامه فأسرج له حصانا وقصد مجلسهم وأنشدها فنكس الفرزدق وراعي الإبل. ونرى بجانب هؤلاء الفحول أعنى جريرا والفرزدق والأخطل طائفة أخرى من كبار الرجاز يقصدون المربد وينشدون رجزهم، فالعجاج الراجز يخرج إلى المربد عليه جبة خز وعمامة خز على ناقة له قد أجاد رحلها ويقف بالمربد على الناس مجتمعين، ويقول رجزه المشهور: (قد جبر الدين الإله فجبر) ويهجو ربيعة فيأتي رجل من بكر بن وائل إلى أبي النجم ويستحثه على الرد عليه فيخرج أبو النجم ويستحثه على الرد عليه فيخرج أبو النجم إلى المربد ويقول رجزه: (تذكر القلب وجهلا ما ذكر)

ورؤية الرجاز ينشد رجزه: (وقاتم الأعماق خاوي المخترق) ويجتمع حوله فتيان من تميم فيرد عليه أبو النجم في رجزه:

(إذا اصطبحت أربعا عرفتني) كذلك نرى ذا الرمة يقف بالمربد وعليه جماعة مجتمعة وهو قائم وعليه برد قيمته مائتا دينار؛ وينشد دموعه تجري على لحيته: (ما بال عينيك منها الماء ينسكب) وينشد كذلك بعض قصائده فيقف خياط فينقد شعره نقدا شديدا ويسخف بعض تشبيهاته، فيمتنع ذو الرمة عن الذهاب إلى المربد حتى يموت الخياط. والأمراء والولاة قد

<<  <  ج:
ص:  >  >>