يتدخلون فيسكتون بعض الشعراء. وقد يهجون بعضهم على بعض خدمة لأغراض حزبية أو سياسية فعبد الملك ابن مروان يأمر أبا النجم بالمفاخرة مع الفرزدق. وعباد بن حصين (وكان على أحداث البصرة) يعين جريرا على الفرزدق ويعير جريرا الدرع والفرس والسلاح. وهكذا كان المربد في العهد الأموي معهدا كبيرا أنتج أدبا غزيرا من جنس خاص. وكاد هذا الشعر يكون امتدادا للشعر الجاهلي. لاتحاد الأسباب والبواعث، فأما الشعر الغزلي كشعر عمر بن أبي ربيعة وأمثاله فليس له كبير أثر في المربد لأنه فوق النزال والمهاجاة والمفاخرة. فليس مجاله حياة المربد التي وصفناها.
المربد في العصر العباسي:
بقى المربد في العصر العباسي. ولكنه كان يؤدي غرضاً آخر غير الذي كان يؤديه في العهد الأموي. ذلك أن العصبية القبلية ضعفت في العصر العباسي بمهاجمة الفرس للعرب. وأحس العرب بما هم فيه جميعا من خطر من حيث هم أمة لا فرق بين عدنانيهم وقحطانيهم، فقوى نفوذ الفرس وغلبوا العرب علىأمرهم. وبدأ الناس في المدن كالبصرة يحيون حياة اجتماعية هي أقرب إلى حياة الفرس من حياة العرب؛ وانصرف الخلفاء والأمراء عن مثل النزاع الذي كان يتنازعه جرير والفرزدق والاخطل وظهرت العلوم تزاحم الأب والشعر؛ وفشا اللحن بين الموالي الذين دخلوا في الإسلام؛ وأفسدوا حتى على العرب الخالصة لغتهم؛ فتحول المربد يؤدي غرضا يتفق وهذه الحياة الجديدة.
أصبح المربد غرضا يقصده الشعراء لا ليتهاجوا؛ ولكن ليأخذوا عن أعراب المربد الملكة الشعرية، يحتذونهم ويسيرون على منوالهم؛ فيخرج إلى المربد بشار وأبو نواس وأمثالهما، ويخرج إلى المربد اللغويون يأخذون اللغة عن أهله ويدونون مايسمعون، روى القالي في الأمالي عن الأصمعي، قال:(جئت إلى أبى عمرو بن العلاء فقال لي من أين أقبلت يا أصمعي؟ قال جئت من المربد؛ قال هات ما معك، فقرأت عليه ما كتبت في الواحي: فمرت به ستة أحرف لم يعرفها، فخرج يعدو في الدرجة وقال: شمرت في الغريب. . أي غلبتني). والنحويون يخرجون إلى المربد يستمعون من أهله ما يصحح قواعدهم ويؤيد مذاهبهم، فقد اشتد الخلف بين مدرسة البصرة ومدرسة الكوفة في النحو وتعصب كل لمذهبه؛ وكان أهم مدد لمدرسة البصرة هو المربد؛ وفي تراجم النحاة تجد كثيرا منهم من