الدقائق تمر بطيئة، وصبري يوشك أن ينفد، وكلما تطلعت إلى النافذة توهمت أننا أشرفنا على الصباح. . . وتعددت مني اللفتات حتى عز الأمل في انبلاجه أو كاد، فازداد قلقي، واشتد تبرمي بالفراش فنحيت عني الغطاء بعيداً، وفي حركة عصيبة انتصبت واقفاً، وقد صممت على أن أتنفس هواء الفضاء! فما عدت أتحمل قبلاتها الجائعة تنقض عليَّ في غير رحمة؛ لا، ولا موسيقاها الخبيثة تجفل مها الحواس كل غدو ورواح. وخير لي أن يجف دمي من البرد في الطرقات، ولا تمتصه هذه الحشرة الجائعة. ومن يدري؟ ربما قضت على أن ألازم (الملاريا) وأصادقها ولو لمدة أيام!
كنت لا أحمل ساعة، وأنا كذلك دائماً، وكان مبلغ تشاؤمي لا يتعدى أن الوقت حول الخامسة صباحاً. قلت لنفس هذا الوقت المبكر أصلح جويسري عن الإنسان همومه ومتاعبه، فيه تحتفل الطبيعة بالتقاء الليل والنهار فتلبس أبهى حللها، وتغني طيروها أعذب الألحان. وما ضرني لو شاركت الطبيعة أعظم أفراحها وشهدت كيف تمثل قصتها الخالدة عل مسرح الحياة! لا شئ. أجل، لا شئ.
وأسرعت فارتديت ملابسي وهممت بالانطلاق، ولكني غريب عن المدينة، وفي منزل ليس لي فيه كل الحرية، وليس من اللياقة أن أحرج مضيفي، فأجرح عزة نفسه، ولكن ماذا أصنع وهذه حالي، أنام. . .؟ لا أنام! أبقى. . .؟ لا أبقى، هذا مستحيل! إذن لا مفر من الخروج، وإذا كنت غريباً عن المدينة فأنا ضيفها فأنا في الوقت نفسه، وللضيف حقوق ولو حامت حوله الشبهات. . .! بهذا التفسير غير المقنع أقنعت نفسي، وأخذت أدلف من طريق إلى طريق، وأنعطف مع الشارع إلى الميدان متمهلاً في مشيتي لعلي ألمح تباشر الصباح؛ ولكن الطريق خالية، والناس نيام، والسكون يشمل الفضاء، حتى الطير قد أخلد إلى أوكاره، وأسلم نفسه للكرى، والحراس هنا وهنالك في شبه غفوة يحتاجون إلى من يحرس أسلحتهم من أيدي اللصوص الجبناء. . .! والساعة تدق الثانية بعد منتصف الليل.
ماذا تراني أصنع. . .؟ إني لا أعرف أين يقع الفندق إن كان ثمة فندق يقبلني في هذا القوت، ولا أعرف أيضاً كيف الطريق إلى (استراحة الحكومة) فأنا مشرد من أجل العمل