دخلت مدرسة المعلمين كطالب سنة ١٩٠٦ وطلبت الإحالة على المعاش سنة ١٩٣٨ وكانت مدة اشتغالي بالتعليم كطالب ومدرس وناظر ومفتش اثنتين وثلاثين سنة وهي ليست بالزمن القليل. وربما كان منصب الناظر أشق مناصب التعليم التي وليتها بالرغم من وجاهة مظاهره. وقد كنت ناظراً لخمس مدارس ثانوية وقبلها لثلاث مدارس ابتدائية، وكانت مدة نظارتي للمدارس الثانوية تسع سنوات وللمدارس الابتدائية ثلاثاً أي كانت نظارتي للمدارس اثنتي عشر سنة، وهي أيضاً ليست بالزمن القليل. وقد لبثت في نظارة المدار الثانوية في عهود وزارات وأحزاب مختلفة، وفي عهد كانت المدار الثانوية فيه مضطربة جد الاضطراب بسبب قلة الاستقرار السياسي. وأعترف أن بقائي في نظارة المدارس تلك المدة الطويلة لم يكن بحسن لباقة في معاشرة آباء الطلبة ومخالطتهم واكتساب معونتهم، فإن ميلي الطبيعي إلى الوحدة منع من ذلك حتى أساء أناس فهم هذا الميل إلى الوحدة وعدوه تكبراً وهو ضعف في البنية يتطلب الراحة بالانقطاع عن الحديث وعن تكاليف المجالس وأعني ما تكلفه من تعب. ولم يكن بقائي في النظارة بسبب مكر ودهاء وخلابة تحبب الناظر إلى تلاميذه لأن المكر إذا تكلفه الإنسان يتعبه ويكلفه جهداً ربما كان لا طاقة له به، وإنما كان بقائي بها أولاً لأني آثرت تصريف الأمور بنفسي بدل الرجوع إلى الوزارة في أمور كثيرة وبدل خلق مشكلات لها، ولا تكره الوزارة أمراً قدر كرهها أن يُرجع إليها في أمر كان لا يستطيع الناظر ألا يكبِّر أمره حتى يصير لا مناص من الرجوع إليها فيه، وثانياً لأني اتخذت في خطط التعليم ما اتخذه نابليون في خطط حروبه إذ كان يعبئ أكثر قوته لمواجهة موطن الضعف في العدو فيهزمه، وكذلك كنت أنا والأساتذة نعبئ عنايتنا وجهدنا لمعالجة التلاميذ الضعاف ولمعالجة أماكن الصعوبة في المناهج وأماكن الخطأ والضعف في التلاميذ الضعاف، وهذه خطة تحتاج إلى تفصيل ولكنها الخطة الوحيدة التي يستطاع بها جعل نسبة النجاح في الامتحانات حسنة مرتفعة، وقد استطعنا في الواقع أن نجعل بهذه الخطة نسبة النجاح حسنة، وهذا كان يسر بعض رؤسائنا عند ظهور النتائج
ومنصب ناظر مدرسة من المدارس الثانوية المصرية منصب كانت تحوطه العداوات. فذا