أراد أن يهيئ أسباب النظام قيل متشدد مرهق مجرم، وإذا تسهل وترك الأمور تجري في مجاريها قيل ضعيف كسول، وإذا كان بين بين اتهم تارة بالإرهاق والإجرام، وتارة بالضعف والكسل، واتهم علاوة على ذلك بالتذبذب. وقد خرجنا والحمد لله من هذا المنصب ومن غيره من المناصب وليس في ملف خدمتنا مؤاخذة ولا سؤال ولا تحقيق في مؤاخذة، ولم تكن هناك حتى ولا مخاطبة شفوية في أمر مؤاخذة مالية أو أدبية أو علمية أو خلقية إلا مؤاخذة على رفع صوتنا في حضرة علي بك حافظ رحمه الله كنت مدرساً وهو ناظر، وهذا أمر ربما استثار تعجب الأساتذة المدرسين في هذا الجيل
وقد كانت خطتي في معاملة الأساتذة المدرسين على العموم خطة معاوية في قوله (ولو كانت بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت إذا أرخوا شددت وإذا شدوا أرخيت) وربما أفادني ميلي الغالب إلى الوحدة من ناحية وإن أضر بي من ناحية أخرى، فإن أضر بي من ناحية جهلي بما يدبر في الخفاء ومن ناحية إساءة بعضهم فهم ذلك الميل إلى الوحدة وعده تكبراً، فقد أفادني من ناحية أخرى إذ لم يخلق أسباب الانقسام والتحزب والمشاحنة بين الموظفين بمناصرة بعضهم على بعض. وكانت خطتي نحو الطلبة إعزاز الطالب الكريم الأخلاق واحترامه إذا كان ممن لا يطغيه الإعزاز والاحترام، وإفهام المقصر أو الخارج على النظام أن العقاب ضرورة لا إهانة فيها وأن الشهامة تقتضي أن يرحب مستحق العقاب بالعقاب. وقد حاول بعضهم أن يذيع في مدرسة أني أتشدد تشدداً مسيئاً في معاملة الموظفين فلم يفلح بالرغم من الإلحاح في هذا المسعى لأن هذا المسعى كان مهزلة حقيرة، ولا يقبل الموظفون في هذا الجيل إساءة في المعاملة لا إلى الحد الذي حدده هذا المسعى ولا إلى أقل منه. وكبار رجال الوزارة يعلمون أنه ليس في استطاعتي أفعل ذلك حتى لو حدثتني نفسي بإساءة معاملة أحد. ولكنه مسعى يدل القارئ على المتاعب التي يتعرض لها حتى أقل النظار طلباً للمتاعب وأبعدهم عن مظانها. وقد حاول أيضاً أصحاب ذلك المسعى إفهام الطلبة أني أتشدد تشدداً مرهقاً للطلبة، وهم يعرفون أني قلما كنت أوقع إلا العقوبات المدرسية المفروضة ولم أكن أوقعها إلا بمقدار ما يستقيم معه التدريس. وقد كنت أتعجب من الخبث والشر في نفوس أصحاب ذلك المسعى، ولكن مما هَوَّنَ الأمر عليَّ أن بعض الطلبة الذين كنت أضطر إلى معالجتهم بشدة كانوا بعد نجاحهم وتخرجهم يرسلون إليَّ