الخطابات ينسبون فيها نجاحهم إلى ما عالجتهم به أو كانوا يفعلون ذلك إذا قابلتهم بعد تخرجهم. وقد عَلَّمْتُ آلافاً من التلاميذ بمدارس الإسكندرية ودمنهور والمنصورة والزقازيق والقاهرة وحلوان والفيوم الأميرية. وكثير منهم قد صادفوا نجاحاً كبيراً في حياتهم بعد أيام التلمذة، وهم يعرفون أن الخشونة والعجرفة أبعد الطباع عن طبعي ويعرفون أني كنت أعامل أكثرهم معاملة الأخ الكبير للأخ الصغير. وقد كنا نتبع خطة التعبئة لمعالجة الضعف في جميع سني الدراسة لا في السنة الأخيرة وحدها، ومن أجل ذلك كانت تأتي نتائج امتحانات النقل للفرق حسنة مرضية في جملتها إلا ما شذ بسبب ضعف شديد في فرقة أو فصل وعجز في الأستاذ عن معالجته مما يحدث مثله في جميع المدارس. والوزارة إنما تأخذ بمتوسط نسبة النجاح للمدرسة كلها، وتنظر في أسباب تخلف الفرقة الواحدة أو الفصل الواحد. ولا أذكر أن الوزارة آخذتنا حتى ولا مرة واحدة بسبب تلك النتائج. ومما يؤسف له أن بعض كبار آباء التلاميذ كانوا إذا رسب ابن أحدهم حقد حقداً شديداً، ولا أعرف إذا كانت هذه الصفة لا تزال في الآباء. ولو أنهم سألوا الوزارة عن مستوى النتائج لأراحوا أنفسهم وأراحوا النظار من عواقب حقدهم الذي لا يتفق وتربيتهم العالية ومنزلتهم الكبيرة. والمدرسة دنيا مصغرة: ففيها العالم والجاهل والذكي والغبي والوديع والشرس الطباع والكريم والحقود، والذي يغلب على طبعه الخير، والآخر الذي يغلب على طبعه الخبيث والشر وحب الأذى. ولا يستطيع أستاذ مدرس ولا ناظر أن يعجن جِبِلَّةَ هؤلاء وأن يجعلهم كلهم على طبيعة واحدة من العلم والذكاء والكرم وسمو الشمائل، ولا أن ينال إخاءهم وإنصافهم جميعاً. ومهنة المدرس والناظر من أشق المهن، ولا يهون متاعب التعليم غير إنصاف الوزارة من ناحية وإنصاف الآباء من ناحية أخرى وحسن مؤازرتهم؛ وهذا الإنصاف لا يغني عنه لإنجاح التعليم تغيير الوسائل والأنظمة. ولسنا نقول هذا القول لأننا نطلب أو نرجى نفعاً فقد انتهت حياتنا العملية وانتهت مطامعنا وآمالنا إلى غير عودة، ولكنا نقوله ونحن نعلم أن المعلم والناظر يعملان في سذاجة الشباب أو عادات الشباب والمشيب حتى وإن لم يجدا عطفاً من بعض الآباء أو من الوزارة؛ ولكن صعب على النفس ألا تجد ما يعينها على تحمل مشقة التعليم، واستخراج حلاوته، والتعليم شيِّقٌ حلو إذا انتظمت أموره، وامتنعت عنه الأحقاد، والمعاداة على كل أمر تافه. ولا أذكر أني تأثرت مرة من