للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[من هنا ومن هناك]

بوشكين أمير شعراء روسيا

تستعد روسيا السوفيتية استعداداً عظيما للاحتفال بمرور مائة سنة على وفاة شاعرها الأكبر بوشكين الذي مات متأثراً بجروح بالغة بعد مبارزة جنونية مع هيكرين دانت أحد ضباط الحرس القيصري الذي كان يغازل امرأة بوشكين، والذي قيل إنه استطاع أن يحظى بها بعد مجازفات غرامية سافلة انتهت بمقتل شاعر روسيا الكبير في ٢٧ فبراير سنة ١٨٣٧

ولو عاش بوشكين إلى اليوم لأبى أن تحتفل به روسيا هذا الاحتفال الذي يؤلمه ويكبر عليه من رجال مستبدين غاشمين داسوا تعاليمه، ولم يبالوا أن يجعلوا روسيا جحيما لا يطاق من العسف والجبروت، والفاقة والعوز، والكبت والتنكيل. وهي أمور وقف بوشكين حياته على محاربتها في عهد القيصر، وانضم بسببها إلى جماعة الديسمبريين يناضل الظلم بيده ولسانه وقلبه، ولم يبال أن ينفى إلى الجنوب، وأن يحرم ملذات بطرسبرج وأنوارها التي كانت في ذلك الوقت زينة الحياة الدنيا

ولد بوشكين في ٢٦ مايو سنة ١٧٩٩ من أب روسي، وأم خلاسية يجري في عروقها دم الزنوج الأفريقيين، لأنها حفيدة (هينبال!) العظيم، أحب خدم البلاط إلى بطرس الأكبر، والذي كان يلقبه عاهل روسيا (جوهرة بلاطي!) من سبيل الدعابة، لأنه كان عبداً أسود امتاز بشجاعته النادرة وإخلاصه المتين لصاحب التاج

وكان أبوه روسياً مثقفاً يقتني مكتبةً حافلة تزخر بأجود الكتب الفرنسية كقصص فولتير ومؤلفات روسو وغيرها، فكانت النبع الفياض الذي ارتوى منه بوشكين وشفى نفسه الصادية، وساعدته ذاكرته القوية على استظهار ما في كتبها من درر وغُرر ومُلَح وطُرف، وهو لم يعد بعد طور الصبى. ولم يظهر بوشكين عبقرية ما في صغره؛ وكان يكره اللغة الروسية من صميمه، ولم يكن يعلم أن سيصير عما قريب إمامها المجلي، وفارسها المغوار، وشاعرها الذي لا يدانيه شاعر

وكان أبوه يضيق بضعف ولده في الروسية، فلما ضبطه مرة مكباً على فولتير يكاد يلتهمه، لم يسعه إلا أن يضربه ضرباً مبرحا وحرَّم عليه دخول مكتبته حتى يتقن اللغة الروسية. . . (وعندها يا بني يمكن أن يثمر في قلبك، وعلى لسانك، هذا الأدب الفرنسي الجميل!. . .)

<<  <  ج:
ص:  >  >>