وفي سنة ١٨١٢ التحق بصالة المحاضرات في قرية زارسكوسيلو، إحدى ضواحي موسكو، وهناك تعرف إلى الشاعر (درزهافن) فنفخ فيه من روحه وشجعه على قرض الشعر، وكان يستملح منه هذه القصص الممتعة التي كان ينظمها وينشدها أخواته الصغيرات. وحدث أن زار الشاعر الروسي الكبير (زهيكوفسكي) ضاحية زارسكو، وسمع بوشكين فأعجب به وتنبأ له عن مستقبل باهر. وقد تأيدت تك النبوءة عندما نظم بوشكين قصيدته الطويلة (رسلان ولدميلا) سنة ١٨٢٠ فأرسل إليه الشاعر الروسي صورته وعليها هذه العبارة (إلى التلميذ: من أستاذه المغلوب على أمره!)
وقد اشتملت قصيدة رسلان على طائفة كبيرة من الفوكلور الروسي الذي كان يترفع عنه الشعر في ذلك الوقت، وبرغم ذلك فقد كان للقصيدة رنة عظيمة في روسيا ولهج بها كل لسان؛ وكان الشاعر باتيوشكوف يصبو إلى إمارة الشعر الروسي، فلما صدرت قصيدة بوشكين حقد على الشاعر الشاب (الذي سبق الشعراء إلى ما كانوا يصبون إليه!)
رحل بوشكين إلى العاصمة الصاخبة بعد حصوله على شهادة الليْسيوم، وكان يتمنى لو التحق بالمدرسة الحربية، بيد أنه ألحق بوظيفة في السلك السياسي، واستطاع أن يجوب آفاق القوقاز، وهو في ذلك العهد مسبح خيال الشعراء ونبع إلهامهم؛ ثم تجول في ربوع القرم، وقضى حقبة طويلة درس فيها الإيطالية والإنجليزية، واشتد ولعه بشاعر الإنجليز بيرون فكان يستظهر قصائده، وبلغ ما إعجابه به أن قلد بقصيدته (أسير القوقاز) قصيدة بيرون (تشيلد هارولد). وفي هذه القصيدة يبدع بوشكين في الكلام عن الحب ووصف الجمال القوقازي والخرائد القوقازيات ويرتفع ببطل القصيدة إلى ذروة الطهر
وشعر بوشكين في هذه الفترة من عمره متأثر بالأدب العربي إلى حد بعيد؛ وأثر أبي نواس والمدرسة العباسية فيه شديد الوضوح، فهو يصف بيوت الحانات وما فيها من ألوان الترف وجمال السراري والولدان. ومن يقرأ ما جاء في الأغاني ونهاية الأرب عن حب الأعراب ثم يقرأ قصيدة (الغجر لبوشكين يلمس أثر الثقافة العربية في هذا الشاعر لمساً تاما. فهذا الفتى (أليكو) الذي يسأم صخب المدن ويفر إلى الريف فيحب الفتاة (زمفيرا) ويتزوجها، ثم تمله الفتاة وتقلوه وتعلق فتى وسيم الخلق فتتصل به وتساقيه كؤوس الغرام ويفاجئهما أليكو