للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[البلجاء]

للآنسة سهير القلماوي ليسانسييه في الآداب

ظلت العراق شوكة في حلق الدولة الأموية إلى أن جاءها منه ما قوض أركانها وهدم سلطانها. وظلت العراق موطنا لكل خارج على الدولة الأموية تأوي كل من يرى فسادا فيما آلت إليه الحال وكل من يحس سخطا على القائمين بالأمور. آوت العراق أهم فرقتين كانتا ساخطتين على خلفاء بني أمية وسياستهم وهم الشيعة والخوارج.

كان هم كل وال جديد على العراق أو أحد مصريه الكوفة والبصرة، أن يحارب هاتين الفرقتين حربا تختلف قوة وضعفا باختلاف شدة معارضتهما أيام ولايته وباختلاف طبيعته الشخصية وما تحتمل تلك الطبيعة من منظر سفك الدماء وإزهاق الأرواح

ما كاد العراق يتنفس في شيء يسير من الراحة بعد موت زياد حتى ابتلاه معاوية بمن هو إلى السر أسبق ولو في تهور، وإلى سفك الدماء أسرع ولو في ظلم وعدوان - ابتلاه بعبيد الله بن زياد

أما الشيعة فكانت تصطنع الاستكانة شيئا ما، وما زال عهدها بزياد قريبا وما زال مقتل حجر بن عدي وصحبه يتمثل لها فترتجف لهوله القلوب ويثور من اجله في النفوس شيء من السخط. ولكنه سخط مستسلم أو قل هو سخط يستعد ويدبر للثورة والانتقام

وأما الخوارج فما زالت دعوتهم قوية لا تعرف تسترا ولا رفقا كانت شعلة تحرق ما يقف في طريقها كانت نارا مقدسة من الإيمان الجارف القوي تلهبه القلوب وتلهبه الضحايا البريئة الطاهرة التي كانت تقدم في كثير من التنكيل والإسراف قربانا على مذبحه.

أصبحت البصرة منذ مقدم ابن زياد مرجلا يغلي بما فيه من خوف وقلق واضطراب، كل يتستر بعقيدته، يجتمع وصحبه ولكن في حذر كل الحذر. كل يبث دعوته ولكن في حيطة دونها كل حيطة. عرف أهل البصرة في وإليهم الجديد نوعا من البطش قلل في نظرهم شيئا من بطش زياد على قرب عهدهم به. هذا البطش الجديد لم يكن يقف عند حد، لم يكن يعرف شيئا من الأناة في تنفيذ اشد العقوبات وانكاها، لم يكن يعرف هوادة ولا تريثا وإنما كان قوة تكتسح أمامها كل شيء، لا تعرف إلا إنها قوة وإلا إنها يجب ان تندفع.

نال الخوارج من هذا البطش ومن هذا النكال النصيب الأوفر فقد قتل منهم عدد غير قليل

<<  <  ج:
ص:  >  >>