ولم يكن قتلا عاديا وإنما كان قتلا يقصد به الردع والإرهاب كأشد ما يمكن ان يكون الردع والإرهاب كان صلبا، كان تقطيعا للأيدي والأرجل في الساحات العامة، كان قتلا لا ككل القتل، كان القتل صبرا ولم تكن الضحايا فرادى وإنما كانت جماعات.
عرف الخوارج منذ أول ظهورهم بشجاعة نسائهم وجهادهن معهم. ويذكر الخوارج في تاريخهم عددا غير قليل ممن استشهدن وحاربن بل ممن قاتلن وتبارزن في سبيل نصرة المذهب الجديد. ولقد غاظ زياد أمر هؤلاء النسوة، ماذا يفعل بهن لقد نهى الرسول عن قتل نساء المشركين أثناء حروبه معهم فكيف بنساء المسلمين. ولكن أمر هؤلاء النسوة لم يكن يسيرا. لقد كن ينشرن الدعوة فتسير كالنار في الهشيم لابد لهن من عقاب رادع، لابد لهن من شيء فوق طاقتهن حتى يعدن إلى ما خلقن له حتى يدعن الجهاد لمن هم به أولى وعليه أقدر. وتذكر فعل الوالي قبله. لقد قتل زياد خارجية وعراها وعراها في الميدان العام فلم تظهر خارجية بعدها أمرها أيام زياد. لقد خفن العار وإن لم يخفن الموت. أتتحسبن انه لن يقدر على هذا، كلا فوالله لو ظفر بإحداهن ليجعلها عبرة لمن بعدها.
وبسط هذه القلاقل كان أبو بلال مرواس زعيم الخوارج إذ ذاك يجتمع بصحبه كل مساء يتدارسون مذهبهم ودينهم ويتدبرون حالهم وما يستطيعون أمام هذا السلطان العاتي. يفكرون في أمور الدولة وأعمال الوالي الجديد ويدبرون خططا جديدة لبث الدعوة وتيسير السلطان لمذهبهم.
كان بين هؤلاء الصحب امرأة تعرف بالبلجاء فإذا ما جلس أبو بلال جلست إلى جواره تستمع إلى حديثه في شغف وتلتقط الكلام من فم هذا الذي كادت تؤلهه الجماعة كأنما كلامه قطرات ماء وكأنما إذنها قد أعياها طول العطش. وكان أبو بلال سمح الطبع قوي الإيمان فاستراح لقرب تلك السامعة، وحفظ لها في قلبه مكانة عظيمة. لقد أعجبه منها إيمانها وتعلقها بالمذهب، تسأل عما أشكل عليها فيه فلا تمل سؤالا. ولم يكن هو ليدخر جهدا حتى يوفق في إجابتها إلى الجواب المقنع الشافي.
ظلت البلجاء هكذا زمنا إلى ان آمنت بالمذهب الجديد إيمانا لا يرتضى سكوتها وهدوءها. فبدأ الإيمان يملي عليها العمل والتضحية في سبيله شأن كل إيمان يتم نضوجه ويعم القلب نوره. قامت البلجاء بدورها تبث الدعوة بين أهل البصرة فيلبي دعوتها الكثير. ولكنها ما