أيها المصري الكريم! إذا ادلهمت حولك الخطوب، واكتنفتك المحن، وطمع الإنجليز في جنوب واديك، وكشر الصهيونيون عن أنياب غدرهم في فلسطين، ومالأت هيئة الأمم ظلم أعدائك وأهملت حقك، فلا يهولنك الأمر ولا ترع، فمن قبل هذه الأقوام كانت أمتك تحتضن الدهر وهو غلام، وتعلم الشعوب وهم رعاع، وتحمل مشعل العلم والمدينة والناس جميعاً في ظلام، ثم قامت عروش، وتكونت دول، وبادت أمم، وتغيرت خرائط العالم مرات ومرات، ومصر هي مصر، كنانة الله في أرضه، وجامعة المبادئ الفاضلة، وملاذ المدنيات وقبلة العالمين. أقرأ إن شئت ما قلت به مصر في القرن الثالث عشر الميلادي وحده، لتعلم كم لبلادك العزيزة من أياد على الناس أجمعين، وأنها بحق كنانة الله في أرضه.
أمة تتحطم:
جاء القرن الثالث عشر الميلادي والخلافة العباسية في بغداد تحتضر، ويقوم بالحكم الفعلي في أرضها (الأتابكة) وهم أمراء سلاجقة، تقسموا الدولة بعد موت ملك شاه سنة ١٠٩٢ ميلادية. هذا في المشرق، وأما في المغرب، فكانت مدن الأندلس تتساقط أوراق الخريف أمام هجمات الأسبان حتى سقطت (قرطبة) نفسها ١٢٣٦م وكانت دولة الموحدين في الشمال الإفريقي قد آذنت بزوال، كما كانت سواحل بلاد الشام جميعها لا تزال في ايدي الصليبيين بعد أن أسترد صلاح الدين الأيوبي مدنهم الداخلية، أما في مصر فكان سلاطين الأيوبيين ومن بعدهم المماليك يحكمون من القاهرة مملكة قوية، تضم في معظم أيامها مصر، والنوبة، واليمن، وبرقة، وأكثر بلاد الشام وفلسطين؛ ويمتد ملكها من الأناضول شمالاً إلى بلاد السودان جنوباً، ومن الفرات شرقاً إلى تونس غرباً. وتعاقب على العرش في هذا القرن الملك العادل أخو صلاح الدين (١١٩٨ - ١٢١٩) ثم الصالح أيوب بن الكامل (١٢٣٨ - ١٢٤٩) ثم شجرة الدر زوجة الصالح، وأبنه نوران شاه (١٢٣٩ -