الشاعران اشتركا في البواعث التي تستفز الإنسان إلى المنطق بشعر متفق في المعنى والغرض لما بينهما من التشابه في كثير من نواحي الحياة كما قدمنا، فكلاهما عاش حياة مليئة بالأهوال، زاخرة بالكفاح والنضال. وبرم كل منهما بما يجرى بين أهله وقومه، مستهجنا حياة شعب يعاني متاعب الاستعباد وآلام الاستبداد. ولقد بذل كل منهما جهده في تصوير أحوال شعبهما حفزا للشعور، واستفزازا للنفوس المكلومة لتصحو من غفوتها، وتهب من رقدتها، وتنهض وتركض حتى تلحق بركب الأمم المسرع العجلان الذي لا يعين العاجز ولا ينتظر المتخلف الكسلان، إنهما أجادا وأفادا، كأحسن ما يطلب ذلك من شاعرين عظيمين أديا رسالتيهما في البلاغ والبيان أداء كاملا واضحا في مبناه، قويا في معناه، مؤثرا بألفاظه وموسيقاه، قال الشابي مخاطبا شعبه.
ليت لي قوة العواطف يا شعبي فألقى إليك ثورة نفسي
ليت لي قوة الأعاصير لكن أنت حي يقضي بالحياة برمس
أنت روح غبية تكره النور وتقضي الدهور في ليل حدس
أنت لا تدرك الحقائق إن طافت حواليك دون حس وحس
إلى أن قال:
في صباح الحياة ضمخت أكوا ... بي وأترعتها بخمرة نفسي