للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ثم ألبستني من الحزن ثوبا ... وبشوك الصخور توجت رأسي

ثم قال لما يئس من الإصلاح وبرم بالحياة وحينما ذهبت صحته أدراج الرياح ولم يسمع قومه الأنين والنواح:

هأنا ذاهب إلى الغاب يا شع ... بي لأقضي الحياة وحدي بيأسي

هأنا ذاهب إلى الغاب علي ... في صميم الغابات أدفن نفسي

ثم أنساك ما استطعت فما أن ... ت بأهل لخمرتي ولكأسي

ولكن هيهات أن ينساه وهو قد ترعرع فوق أرضه ونشأ تحت سماه. إنه يحثه للنهوض ويدفعه للعمل السريع بعد سكب روح الأمل البديع فيه، وذلك يتضح في خطابه الطير الذي يدري معنى الحياة، ويعرف أن طيب عيشها لا يتاح لمن سلبت حريته، ومات حسه وبلد شعوره، وانطفأت جذوة آماله، وغاض معين أحلامه.

سوف أتلو على الطيور أناش ... يدي وأفضى لها بأحزان نفسي

فهي تدري معنى الحياة وتدري ... أن مجد النفوس يقظة حس

ويتبين لك عند إنعام النظر أنه لم ييأس من الإصلاح بل كان يستعبد زمنه، لأن شعبه لم يبلغ سن النضج ولم يقف على سوقه ينافح ويكافح ليرد حريته المسلوبة فيحظى بكمال استغلاله، ويرغم غيره من الأمم على احترامه وإجلاله، وفي القول التالي يؤنب بني قومه لما استخفوا بقوله، وأشاحوا معرضين عن سماع صوته.

أيها الشعب أنت طفل صغير ... لاعب بالتراب والليل ينسى

أنت في الكون قوة لم تسلبها ... فكرة عبقرية ذات بأس

أنت في الكون قوة كبلتها ... ظلمات العصور من أمس أمس

والشقي الشقي من كان مثلى ... في حساسيتي ورقة نفسي

هكذا قال شاعر ناول الشع ... ب رحيق الحياة في خير كأس

فأشاحوا عنها ومروا غضابا ... واستخفوا به وقالوا بيأس

(قد أضاع الحياة في ملعب الجن ... فيا بؤسه أصيب بمس)

(طالما حدث الشياطين في الوا ... دي وغنى مع الرياح بجرس)

ويشبه التجاني الشابي في رقة الإحساس ودقة المشاعر. فهو نفس مرهفة مضطرمة، وقلب

<<  <  ج:
ص:  >  >>