للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[سليمان العبسي في ديوانه (مع الفجر)]

للأستاذ أحمد فخري

هذا البلبل الصداح في جنائن الهوى يشدو تارة ويشكو طورا، ولكنه في كلتا الحالين لا يستطيع إلا أن (يغني) ألحان الحياة، وما الحياة أن لم تكن نشوة حب، وخفقة قلب، أو لوعة تبعثها اللهفة إلى تلك النشوة، والحنين إلى ذلك الخفقان؟

أنا أهوى الألحان نبض حياة

ودموعاً. . . طروبة العبرات. .

وجراحاً. . . تلف بالبسمات

لا نواحا ميتا. . . على أموات

لا عيوناً تسيل فوق الرفات

أنا أهوى على رنينك عودي

أن أحس اختلاجه الجلمود

ولو شئت أن أطوف بك في رياض هذا الهوى - رغم صغر حجم الديوان - لطال بنا المطاف ولتحيرت والله أين أقف بك، ولكن حسبنا هذه البقة ففيها من الشذى والحسن ما يدلك على نضارة رفيقاتها وجمالهن. ولقد رأيت معي كيف نسقها صاحبها وكيف رسم فيها من (الحضري) العف صورة لأنبل العواطف وأرقها وأعنفها وأوسعها حتى لكأن الكون كله محب وحبيب. . .

وهذه سمة الشاعر العبقري الذي يتصل في وجدانه بأرحب ما في العالم ويحلق بخياله إلى أعلى ما في السماوات، ينهل من معين جمالها ويرشف من خمر ثنائها ويبادلها حبا بحب، فيسكب عليها من فؤاده من ينطق الجامد منها حتى لكأن هذا الوجود كله قلب ينبض وكبد تهفو وعاطفة تتأرجح، وهو يجيد تصوير الطبيعة ولكن لا بالألفاظ الجوفاء والصور الجامدة وإنما هي في ريشته إنسان يحس ويحب، ويسعد ويتألم. . وستخلد الطبيعة وستخلد معها صورها الرائعة هذه. .

أنشد معي هذه الأبيات:

الصخرة الغرقى بأحلامها ... تحس مثلي وحدة قاتلة

<<  <  ج:
ص:  >  >>