بقلم الدكتور محمد غلاب أستاذ الفلسفة بكلية أصول الدين
- ٧ -
الديانة المصرية - الحياة الآخرة
اعتقد المصريون منذ أقدم عصورهم بخلود الروح وبأن هناك حياة آخرة يجازى فيها المحسن على إحسانه والمسيء على إساءته. والمنطق الذي استندوا إليه في هذه العقيدة، هو أن هذه الحياة الدنيا مزيج من الخيرات والشرور، وأن المشاهد أن هذه الفترة القصيرة التي يعيشها الإنسان على الأرض، ليست جديرة بتحقيق مكافآت الأخيار، ولا عقوبات الأشرار. وإذن فالمنطق يقفنا أمام أمرين لا ثالث لهما، وهما: إما أن تكون هناك حياة أخرى يوفى فيها الأخيار والأشرار جزاء أعمالهم في دقة وعدالة، وإما أن ينتهي كل شئ بمجرد انتهاء هذه الحياة. وفي هذه الحالة الأخيرة لا يتحقق تقدير الفضيلة والرذيلة، ولا يمتاز الخير عن الشر بأية ميزة. وبذلك تنتفي عن الإله صفة العدالة، وما انتفت عنه هذه الصفة لحقه النقص، ومتى لحقه النقص فقد انهارت ألوهيته من أساسها، وإذن فالحياة الأخرى من لوازم الألوهية نفسها
أما طريق معرفة الخيّر من الشرير فهي أن يؤتى بأعمال كل منهما الدنيوية المقيدة في سجل أمين لم يدع منها كبيرة ولا صغيرة إلا أحصاها، ثم يجلس المسئول أمام محكمة (أوزيريس) الذي نكتفي أن نسوق إليك في وصفها ما كتبه الأستاذ (بريستيد): (وتتكون محكمة أوزيريس في عقيدة القوم من اثنين وأربعين قاضياً يجلسون أمام المعبود كالزبانية يمثل كل منهم قسماً من أقسام مصر، فإذا دخل المتوفى أمام المحكمة وأنكر أمام كل قاض إثماً من آثامه، يوزن قلبه في ميزان مقابل ريشة العدالة، للتأكد من صدق قوله، أما الآثام التي يتبرأ منها الميت أمام محكمة أوزيريس فهي بعينها الآثام المستهجنة في عهدنا هذا. وهاك بيناً موجزاً لتلك الآثام: السرقة، والقتل، والاختلاس (وبالأخص السلب)، والكذب، والخداع، وشهادة الزور، والرياء والتنابذ بالألقاب والتجسس، وعدم الاعتدال في الأمور