الجنسية، وامتهان كرامة المعبودات أو الأموات كالكفر بهم، وسرقة أمتعة الموتى. ومن هذه القائمة يستدل على عظم الرادع النفسي عند المصريين وقتئذ استنكاراً للمنكرات. وعليه فالمصريون هم أول قوم اعتقدوا برتب الحياة الأخروية على الحياة الدنيوية. ويرجع هذا الاعتقاد في الحقيقة إلى المملكة القديمة. والغريب أن هذه العقيدة انحصرت في المصريين أكثر من ألف سنة في حين أن البابليين والإسرائيليين اعتقدوا أن انتقال الموتى عموماً إلى سقر المعرفة باسم (شول) واعتقد المصريون أن الأموات الذين تحكم عليهم محكمة أوزيريس بالإجرام يعرضون للجوع والعطش ويحجزون في أماكن مظلمة لا يبصرون فيها ضوء الشمس. وفي المحكمة طريق أخرى للقصاص، منها حيوان بشع له رأس تمساح ومقدم أسد ومؤخر دب البحر يفترس المجرمين الآثمين. وأخذت آراء القوم في عهد المملكة الوسطى تحوم حول تطهير النفس من المعاصي والمظاهر التماساً للبراءة بعد الوفاة وتجنباً للعقاب الأليم، فأصبحت ترى الكثير من نقوش شواهد القبور شديدة الشبه بما ألمعنا إليه في عهد المملكة القديمة، وهي تتلخص في أن الميت يطعم الجوعان ويروي الضمآن ويكسو العريان وينقل في سفينته من ليس له سفينة. وجاء على بعض الشواهد أن المتوفى كان أبا اليتيم وزوج الأرملة وملجأ الذي لا ملجأ له مما أشرنا إليه حين تكلمنا على كرم وسخاء حكام الأقسام والشخص الذي تبرئه الحكمة أوزيريس تلقبه بالرجل الطاهر العادل أو صادق القول أو المنتصر)
فإذا فرغ (توت) - وهو الذي تصوره لنا الآثار حاملاً الميزان في يده - من مهمته أمر بهذا المسئول فيساق إلى ذلك الصراط المخوف الذي مد فوق الجحيم والذي إذا اجتازه الشخص نجا وارتقى إلى جوار الآلهة والفراعنة الأبرار، وإذا هوى من فوقه سقط في واد سحيق ممتلئ بالأفاعي والحيات التي تتولى تعذيبه بقسوة حتى ينال قسطه من الجزاء
ومن الغريب أن المصريين مع إيمانهم بهذه العدالة الصارمة في الحساب ووزن الأعمال كانوا يعتقدون أن تلاوة الرقى والتعاويذ وكتابتها على تابوت الميت أو على حوائط قبره تستطيع أن تنفعه أمام محكمة أوزيريس فتزيد في نعيمه وتخفف من عذابه، وهذا هو معنى قول المحدثين:(الرحمة فوق العدل). وقد كتبت هذه التعاويذ في كتاب (الموتى) وكتاب توت الذي ألمعنا إليه آنفاً.