اعتقد المصريون - كما أسلفنا - بالبعث والحشر والحساب على الأعمال والميزان والصراط والنعيم والجحيم، وآمنوا كذلك بأن هذا النعيم درجات، أدناها المتع المادية، وأعلاها الذهاب إلى جوار الآلهة أو الصعود بواسطة السلم الإلهي من مملكة الموتى إلى مملكة (رع) حيث يقيم الصالحون والمقربون مقاماً أبدياً لا مرض فيه ولا تعب ولا موت ولا فناء. واعتقدوا أن في الجحيم كذلك درجات بعضها خفيف وبعضها قاس، وأن بها ثعابين وحيات وتنينات تتولى تعذيب الآثمين بقدر ما يرسم لها إله الجحيم.
هذا كله في الآخرة، أما في الدنيا فمن طقوسهم الدينية أنه إذا مات الميت يجب أن يغسل بالماء النقي وأن يكفن ويدفن بعد أن يلقنه الكاهن ما كانوا يسمونه بالرقى المنجية التي تحميه في القبر من الأرواح الشريرة وتكفل له في الآخرة رحمة الآلهة، وأن تكتب تعاويذ (توت) على تابوته وجدران قبره إن كان من ذوي الحيثيات كأن يكون ملكاً أو أميراً أو كاهناً أو وزيراً أو موظفاً كبيراً أو أديباً أو طبيباً مثلاً، أما إن كان من أبناء الطبقات الدنيا، فإن هذه التعاويذ تكتب على كفنه أو في ورقة بردية تدفن معه.
ومن هذه الطقوس أيضاً تضحية الحيوانات على قبر المائت ووضع بعض لحومها مع الخبز والماء والفاكهة والنبيذ في داخل القبر، وأن يتولى تقديم هذه الضحايا أحد الكهنة، ليتقبلها أوزيريس فيضمن أهل الميت بهذا القبول لمتوفاهم الرحمة والغفران
رأى بعض الباحثين الغربيين أن هذه العقائد الفرعونية من: بعث وحشر ووزن وثواب وعقاب ونعيم، بعضه مادي وبعضه معنوي، وعذاب يتفاوت بتفاوت درجات الآثام والشرور، وأن تلك الطقوس الوثنية من: غسل الميت وتكفينه وتلقينه ودفنه ونحر الضحايا بمناسبة موته، كل هذا يوجد بحذافيره في بعض الديانات التي تدعي لنفسها السماوية فرموا هذه الديانات الأخيرة باستقائها عقائدها وطقوسها من تلك الديانة الوثنية لا من عند الله كما تدعي
ولست أدري كيف يستسيغ أولئك الباحثون هذا المنطق العجيب مع اعترافهم بالجهل التام للأصول الأولية في الديانة المصرية؛ وما المانع من أن يكون مصدر هذه الأصول المجهولة لديهم هو: السماء، وأن يكون التوثن والتعدد عارضين لها بعد التأليه والتوحيد؟