للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وفي هذه الحالة يكون من الطبيعي أن تتفق مع الديانات السماوية في جميع العقائد والطقوس التي لم ينلها التحريف؛ ثم ما المانع كذلك من أن تكون تلك الطقوس مستحدثة في الديانة المصرية لا يصعد مبدؤها على سلم التاريخ إلا إلى العهود التي اختلط فيها المصريون بالساميين واقتبسوا منهم بعض طقوسهم الدينية؟ هذه كلها احتمالات جائزة الوقوع، ولكن الذي لاشك فيه هو أن اتفاق ديانة وثنية مع أخرى سماوية لا يقوم برهاناً على أخذ الثانية من الأولى، ولا يصح الاستناد إليه في الحيلولة بينها وبين سماويتها

الأخلاق

آمن المصريون - كما قدمنا - منذ عهود تقصر عن إدراكها مجهودات التاريخ بأن لهذه الأكوان منشئاً أو منشئين خلقوها ونظموها وهم يتولون تصريف شؤونها بحكمة واقتدار وعدالة وإنصاف. ولأمر ما، اقتنع المصريون منذ أقدم عصورهم بأن هؤلاء الآلهة المتصرفين في الأكوان اختاروا في مبدأ الدنيا عرش مصر واتخذوه مقراً لهم يصدرون من فوقه أحكامهم وأوامرهم النافذة التي لا يجرؤ أي فرد من أفراد الوجود على التمرد عليها أو عدم الانصياع لها؛ ثم عن لهؤلاء الآلهة أن يغادروا عرش مصر إلى عرش السماء ففعلوا، ولكن بعد أن استخلفوا على هذا العرش العزيز أبناءهم وأحفادهم الفراعنة العظماء وزودوهم بكل ما يحتاجون إليه في حكمهم للبلاد وسياستهم للدولة وقيادتهم لجميع أنحاء النظم الاجتماعية والأخلاقية التي لا تسير بالبلاد إلا إلى التقدم والعمران، وأن أولئك الآلهة سيلحظون الحاكمين والمحكومين بعنايتهم ويكلئونهم بعين رعايتهم ماداموا يقومون بواجباتهم نحو أولئك الآلهة المحسنين. وكان هذا القيام بالواجب يتلخص في الشعائر الدينية وفي الاتصاف بالفضائل الأخلاقية، وأولها الولاء للعرش والعدالة والصدق والأمانة والرحمة والإحسان وأشباهها

ولا ريب أن هذه الأسطورة - على بطلانها - كانت أقوى العوامل وأهم الأسباب في رقي مصر العمراني، وتماسكها الاجتماعي وجلالها السياسي، وسموها الأخلاقي، واطراد تقدمها في العلم والأدب والفنون الجميلة والصناعات النافعة.

ومن الطبيعي أن الأمة التي تعتقد أن نجاحها في الدنيا وفوزها في الآخرة مترتبان على الفضائل لا تألو جهداً في أن تكون أمة فاضلة خيّرة، وهذا هو الذي حدث بالفعل، فقد

<<  <  ج:
ص:  >  >>