انتشرت الفضائل في وادي النيل انتشاراً قوياً وعظم الخاصة والعامة معتنقيها وكافأهم الملوك على حسن سلوكهم بجلائل النعم وأعاظم المنح كما ضرب على الرذائل والشرور بأيد من حديد، وأصبح أفراد هذه الأمة جميعهم يفخرون بالفضائل ويتبرءون من الرذائل لا فرق في ذلك بين فرعون على جلاله وبين الفلاح أو العامل الحقير. وإليك شيئاً من نصوص تصوير هذا العصر الغابر، ومقدار تمسكه بالفضائل وأثر ذلك التمسك في حياته:(واعتقد القوم إن الوصول إلى حقول الخيرات الأخروية يكون بالاهتمام بالشعائر الدينية والاعتناء بها، وبتوالي الأيام اعتقد الناس أن النعيم الأخروي يكافأ به من يحافظ على طهارة الذمة والشرف والأعمال الصالحة في الدنيا. من ذلك ما ورد في مقبرة أحد أمراء الأسرة الخامسة مترجماً: (لقد شيدت مقبرتي بغاية العدل والحق فلا شئ فيها يستحقه غيري، وأنا لم أوذ أي شخص). وما ورد أيضاً من النقوش على جدر مقبرة لأحد أبناء تلك العصور مترجماً:(أنا لم أعاقب قط في حياتي أمام رجال الحكومة ولم أسرق شيئاً من غيري؛ بل فعلت كل ما يرضي غيري). ولم تقتصر نقوش مقابر تلك العصور على إنكار السيئات، بل شملت أيضاً فعل الخيرات كما ورد على جدار مقبرة وجيه في الأسرة الخامسة مترجماً:(كنت أقدم الخبز لفقراء إقليمي، وأكسو عراته، ولم أوذ أحداً طمعاً في أملاكه حتى اشتكاني إلى معبود بلده، ولم أسمح لضعيف أن يخشى بأس قوي فيتظلم من ذلك للإله).
ومما ورد في موضع آخر تعزيزاً لما قدمناه ما يلي:(ومنه يتضح أن القوم وقتئذ أخذوا يعتقدون بوجود محاكمة في الآخرة أمام (أوزيريس) وأن هذه العقيدة أحدثت تأثيراً أدبياً عظيماً في نفوس المصريين، فإنهم وإن كانوا حقيقة منذ قديم الزمن ذوي ضمائر ونفوس رادعة إلا أنهم كانوا في احتياج إلى زجر قوي كالوارد في عقيدة أوزيريس. لذلك نشاهد بين نقوش دهاليز أهرام أمراء الأسرتين: الخامسة والسادسة تحذير كل من يستولي على مقابرهم بأنه سيحاكم على أفعاله أمام المعبود الكبير، كما ورد في مقبرة أخرى ما يشيره إلى تجنب الكذب كلية رغبة في رضاء المعبود وقت الحساب. كل هذه الحقائق وجدت مدونة بين أقدم نصوص الموتى المعروفة الآن بمصر
ومما لاشك فيه أن اتصاف المصريين بالفضائل والخيرات يرجع إلى أوائل عهدهم بالتعقل