كان الليل الهادئ المقمر أصفى من قلوب العذارى؛ وكان النسيم العليل الحلو يرف كالأماني في قلوب المحبين؛ وكالبدر العاشق المُسهَّدُ يرسل القبَلَ فتنطبع على خدود الورد، وتلثم أعواد الزنبق، ثم تنتشر بالشذى فتعطر أحلام المدنفين!
وكان كيوبيد الصغير يتميز من الغيظ حين أنطلق حاملاً سهامه ليقتل بسيشيه ابنة الملك، التي أهانت بجمالها كبرياء أمه فينوس!
كان الناس يعبدون ربة الجمال والحب حتى ترعرعت بسيشيه وتدفّق ماء الشباب في جسمها الريان، فهويت إليها نفوسهم، وخفقت بحبها قلوبهم، وآثروها بعبادتهم من دون فينوس!
وكان للفتاة أختان حسناوان، ذواتا دلٍ وفتون، ولكنهما كانتا مع ذاك دونها قسامة ووسامةً ولانهائية!
أجل، كانتا دونها لا نهائية، فلقد كانت العيون تغرق من جمال بسيشيه في لجَّةٍ من الحسن الغامض ما لها من قرار؛ وكان غموض حسنها هو سر عبادة الناس لها، وافتتانهم بها، وانصرافهم إليها عن كل ربات الجمال!
ودعت إليها أبنها ربةُ الحب، فأثارت في قلبه العداوة لهذه الغادة وجسمت له ما يحيق به وبأمه من انصراف الناس عن عبادتهما إلى هذه المخلوقة التعسة:
(أفيرضيك يا بني أن تكون من آلهة الأولمب نكرتين لا يخبت لهما شعب من العباد المخلصين؟ أم يرضيك أن يتغامز بي الآلهة كلما مررت بهم، وهم كما تعلم مغيظون مني، فيقولون هاهي ذي فينوس التي هدمت كبرياءها امرأة، وصرفت الناس عن عبادتها غادة؟ اذهب إذن فتربص لها، وأنفذ إلى أغوار قلبها سهماً يودي بها إلى هيدزْ، وبئس القرار!