سمعت طرقا خفيفا فرفعت رأسها وصوتها آذنة بالدخول، ومدت عينها إلى الباب فلما فتح لم يرعها إلا صديقها الأديب يسعى إليها مشرق الوجه باسم الثغر مبسوط اليد مرتبكا مع ذلك شديد الحياء. قالت وقد غشي وجهها احمرار رقيق زاده جمالا وحبا إلى النفوس، مصدره الدهش لهذا المقدم غير المنتظر، أو مصدره زيه المهمل وثوبها الذي لبسته لنفسها لا للناس ولم تكن تقدر إن الطارق أحد غير الخادم التي تعودت ان تطرق عليها الباب في رفق إذا كانت الساعة الخامسة من كل يوم لتحمل إليها الشاي، فلما رأت صديقها ارتاعت لمرآه، وقالت في دهش وخجل واضطراب:(أنت من أين أقبلت؟ انجمت من الأرض أم هبطت من السماء؟) قال ولم يكن اقل منها ارتباكا واضطرابا: نعم أنا أقبلت من حيث تريدين ولكن لي إليك حاجة يا آنسة أعرضها عليكِ قبل التحية، وأتمنى لو تجيبينني إليها قبل السؤال والجواب، فسيكون السؤال طويلا دقيقا، وسيكون الجواب ملتويا مرتبكاً، ولكن حاجتي يسيرة فاسمعيها مني واقضيها لي، ثم لنأخذ بعد ذلك فيما تحبين، قالت وقد أخذت تثوب إلى نفسها وإلى ثوبها: من أين أقبلت؟ وكيف أراك في نيس وقد تركتك في القاهرة على انك ستقضي فيها الصيف؟ قال ثقي يا آنسة إني قد سمعت سؤالك ووعيته ووعيت ما يحيط به من عجب وإنكار أني سأجيب وسأحاول أن أزيل هذا العجب وأمحو هذا الإنكار ولكن حاجتي اسمعيها واقضيها قبل كل شئ. قالت لا قبل أن نجلس، ثم عادت إلى كرسيها وقد حولته شيئا عن المائدة وأشارت إليه أن اتخذ هذا الكرسي وأخذت تجمع صحفاً كانت منثورة على المائدة، ثم قالت مبتسمة: وما عسى أن تكون هذه الحاجة التي تقدمها بين يدي تحيتك، وقد بعد العهد بينك وبيني والتقينا من وراء البحر، فقد تركتك منذ أسبوعين، قال بل منذ عشرة أيام إن لم أخطئ الإحصاء، فقد زرتك قبيل السفر. . . فقطعت عليه الحديث قائلة نعم، قد ذكرت فهات حاجتك فإني لم أتعود أن انتظر تحيتك وعبثك كل هذا الوقت الطويل؛ قال حاجتي يسيرة وهي إلا تلومني ربة الدار، فقد مكرت بها واحتلت عليها، وما زلت أخدعها عنك وعني حتى تركتني أطرق الباب وأدخل عليك في غير استئذان سابق. فأغرقت في الضحك حتى استلقت إلى كرسيها وهي تقول: إنها لحاجة عسيرة، لست أدري